بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..... أما بعد :
من منا لم يقرأ عن سيرة الصحابة وإنجازاتهم وتاريخهم , فهم أول من إتبع الرسول -صلى الله عليه وسلم - وساندوه طوال مدة دعوته , بل وحتى عند موته حزنوا عليه ولكنهم لم يبقوا على حالهم بل ما حصل لهم كان دافعا لهم لتكملة المسيرة ورفع دين الإسلام وإعلاء كلمة الحق في كل مكان ..... وهناك الكثير الكثير من إنجازاتهم , فلنتذكر معا سيرتهم العطرة ولنتجول معا في حديقة الصحابة وفي كل يوم سنقرأ عن أحدهم ولنستنشق من عبير حياتهم ولنأخذ أول زهرة لتحكي عن بطل همام وفارس شجاع ألا وهو :
( عبدالله بن رواحه - رضي الله عنه -)
هو أحد النقباء في بيعة العقبة الثانية .
وفارس الفرسان في المعارك الضارية التي خاضها المسلمون مع عصبة الكفر والإلحاد .
وأحد القادة الثلاثة في غزوة مؤتة .
وشاعر رقيق الحاشي,عذب الألفاظ , قوي الكلمات على الكفار , فكان يرسلها عليهم في شعره , فيكبتهم وينكل بهم , وكأنه يهدهم بها هدا .
ولد في المدينة المنورة , وبين سهولها ووديانها ترعرع عوده , وعلى رباها الخضر وفوق عيونها الثرة بالماء أرسل أجمل الألحان وأعذب الأشعار .
وعندما وصل إلى مرحلة الشباب .. كان يشغل فكره دائما ً شئ لا يدري حقيقته , فيرسل بريد عينيه إلى السماء , تفتش عن مجهول حتى كان يوم علِم فيه بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فكان في مقدمة الوفد المتجه إلى مكة الظاعن لسول الله - صلى عليه وسلم - ليتعرف على حقيقة هذا الدين الجديد.
وفي مجلس الرسول - عليه الصلاة والسلام - جلس عبدالله بن رواحه يرهف أذنيه , ليتزود من هديه , ويرتوي من نبعه , ويهدأ بالا ً بعد أن عرف حقيقة الكون وأسرار الوجود .
ولما تمت البيعة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم - وبين وفد الأنصار قال عبدالله بن رواحه : يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت .
فقال عليه السلام : (( أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ً , وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم )).
قالوا : فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا ؟
قال :(( الجنة )).
قالوا : ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل فنزل قول الله تعالى :{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتلون ويُقْتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }.
وعندما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة كان عبدالله بن رواحة في مقدمة المستقبلين له , وأخذ بزمام ناقته , وقال له :إلينا رسول الله حيث العز ولبمنعة , ولكن الرسول عليه السلام رد عليه كما رد على الآخرين , وأمره بترك زمام الناقة بقوله :((اتركوها فإنها مأمورة )).
وفي غزوة بدر كان له دور بطولي في محاربة أعداء الله , وعندما دعت قريش للمبارزة كان ابن رواحة من أوائل المتقدمين الداعين إلى المبارزة وخرج معه عوف بنالحارث وأخوه معوذ .
ولكن عتبة بن ربيعة وأخاه شيبة قالا لابن رواحة ومن معه:من أنتم ؟
قالوا : رهط من الأنصار .>والرهط هو مجموعة تتراوح ما بين الثلاثة والتسعة<.
قالوا : مالنا بكم حاجة.
ثم نادى مناديهم : يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قومنا .
وعرفت قريش بعد اشتباك الفريقين أنهم أقل من أن يكونوا أكفاء لأتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم - ورجالات الإسلام .
ومنّ الله على المؤمنين النصر العظيم والفوز الكبير, وطلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبدالله بن رواحة ولما مثل بين يديه , أرسله إلى العالية ليخبر أهلها بالنصر الكبير . فكان صوته في العالية يجلجل بكلمة : الله أكبر .. الله أكبر ... فأثلجت قلوب المؤمنين ... وضاقت بها نفوس الكافرين من اليهود والمنافقين.
وعبدالله بن رواحة من قبل هذا ومن بعده , شاعر يجود بشعره , ويرسله من حنايا قلبه , ومن شغاف فؤاده يروي عن نفسه قائلا :مررت في مسجد الرسول ,ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس عنده أناس من أصحابه في ناحية منه ,فلما رأوني أصبوا - أي نظروا -إليّ قائلين: يا عبدالله بن رواحة , يا عبدالله بن رواحة !
فعلمت ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوني فانطلقت نحوه . فلما كنت بين يديه . قال عليه السلام : اجلس ها هنا.
فجلست , فقال : ((كبف تقول الشعر إذا أردت أن تقول ؟)).
كأنه يتعجب من لذلك, قلت : أنظر في ذاك -أي تخير- ثم أقول .
قال :(( فعليك بالمشركين )).
ولم أكن هيأت شيئا ً , فنظرت في ذلك ثم أنشدته :