حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام مليئة بالنماذج والأمثلة الرائعة التي يظهر فيها أثر الأخوة والحب، والعطاء والإيثار، فقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على أن المسلمين جميعاً إخوة، وأكد على ذلك في مواقف وأحاديث كثيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلِمه ولا يخذله، ولا يحقره) رواه مسلم، وقال: (المسلم أخو المسلِمِ لا يخونه ولا يَكذِبه ولا يخذله، كلُّ المسلم على المسلم حرام، عِرْضه وماله ودمه) رواه الترمذي وصححه الألباني.
لما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وبين الأنصار، ولم تكن هذه المؤاخاة ـ بين المهاجرين والأنصار ـ شعاراً لا أثر ولا حقيقة له، بل كانت واقعاً عملياً قائماً على الإيمان بالله والحب فيه سبحانه، وقد شهد الله عز وجل للأنصار بالإيمان والإيثار وحب الأضياف المهاجرين، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الحشر:9). قال ابن كثير: "قال تعالى مادحاً للأنصار، ومبيناً فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدهم، وإيثارهم مع الحاجة، فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم"، وقال السعدي: "ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خُلُقٍ زكِّي، ومحبة لله تعالى مقدمة على شهوات النفس ولذاتها".