بسم الله الرحمن الرحيم
قرع جرس دخول غرفة الصف. اسرع عبد
الرحمن ابن السادسة إلى مقعده واخذ يحضر كتبه وكراساته واقلامه مستعدًا لحصة
التربية الاسلامية وقد حضّر لمعلمة مفاجاةً كبيرة .
دخل المعلم الصف وقد علت وجهه
ابتسامة عريضة؛ فقد راى طلبته يتسابقون ليحملوا كتبه وأخذ ممسحة اللوح ليمسحوا
السبورة. وفجاة رفع عبد الرحمن يده قائلاً لمعلمه: لقد صليت البارحة صلاة الظهر
والعصر في المسجد. فرح المعلم فرحا شديد بصلاة عبدالرحمن وطلب من جميع الطلبة
التصفيق له وحثهم على الاقتداء به والعمل مثله.
بدأ المعلم الدرس مبيناً لطلبته
أهمية الصلاة في حياة الفرد كونها صلة العبد بربه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أحدكم إذا كان في صلاته فإنه يناجي ربه ) متفق عليه. و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رأس
الأمر الإسلام وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد ) رواه الترمذي بسند
صحيح.
ثم
تطرق المعلم الى عقوبة تارك الصلاة ذاكرًأ أحاديث رسول الله فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سمع النداء فلم
يجب فلا صلاة له إلا بعذر ) رواه ابن ماجه وابن حبان بسند صحيح ثم تحدث عمن يهجر
المساجد فلا يصلّي إلا في البيت فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ولو أنكم صليتم في بيوتكم
كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم .
رواه مسلم
وأسهب المعلم بالحديث عن صلاة
الصبح والمشاعر والأحاسيس التي يشعر بها المصلي . قائلا لهم:
وأنتم تتقلبون على فرشكم فى كل ليلة تسمعون ذاك النداء( الصلاة خيـــرٌ من النوم )
ما هى أحاسيسك نحو هذه الكلمة ؟
هل أستشعرت معناها وقلبتها فى فكرك وأنت تسمعها ؟
كم من الخلق يسمعون تلك الكلمة ؟ ولكن القليل من تفكر فى
معناها
كم اولئك الذين يسمعونها ؟ ولكن القليل من يلبى مستجيبآ
لندائها
نعم هى خيرٌ من النوم !!
لأن النوم إستجابة لنداء النفس والصلاة إستجابة لنداء الله
تعالى
نعم هي خير من النوم!! لأن النوم موت و والصلاة
حياه
نعم هي خير من النوم!! لأن النوم راحة للبدن
والصلاة راحة للروح
نعم هي خير من النوم!! لأن الكل يشترك في النوم
و والصلاة ينفرد بها المؤمن
نعم هي خير من النوم!! لأجل ذلك كله ناداك
المنادى ( الصلاة خيـــرٌ من النوم
)
فأين أنت من وقتها ؟
عندما تتجاوب المآذن ذلك النداء ؟
عندما تتجاوب المآذن ذلك النداء ؟
هل أنت من المسارعين نحو بيوت الله
مجيبآ لنداء ربك ؟ أم انت فى عالم الغافلين
الذين غرقوا فى سبات النوم ؟
صلاة الفجر طريق الجنة ، هذه بشارة
الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حين قال :( من صلى البردين دخل الجنة) متفق عليه والبردين صلاتي الصبح والعصر
صلاة الفجر نجاه من النار ، وهذه بشارة ثانية من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حين قال:(لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل
غروبه) رواه مسلم
وصلاة الفجر سبب للتنعم برؤية الله تعالي يوم القيامة ،وتلك بشارة
ثالثة من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم فعن جرير بن عبد الله رضى الله عنه قال( كنا جلوسآ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ نظر إلى القمر ليلة
البدر وقال صلى الله عليه وسلم أما انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته فإن أستطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) متفق عليه
والمقصود صلاه الفجر والعصر ، ثم قرأ جرير : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) طه 130
وصلاة الفجر سبب في دخول حمي الملك
سبحانه وتعالي وتلك بشارة اخري من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حين قال: ( من صلى الصبح فهو فى ذمة الله فانظر يا بن آدم لا يطلبن الله
من ذمته بشئ) رواه مسلم
إن شهودك لصلاتى العشاء والفجر فى جماعة كقيام ليلة كامله
فما أغلاها من فرصة ومن ضيعها فهو من أغبن الخلق
فيا غافلآ ويا نائمآ ملء جفنتك تنبه
وأعلم أن الموت قد يأتيك بغتة
فتزود لدارك الآخرى قبل أن يحال بينك وبين الصالحين
ما أن سمع عبد الرحمن كلام معلمه
حتى اغرورقت عيناه بالدموع متذكرا والديه تاركي الصلاة وما سيحل بهما من عقاب من
الله .ثمّ قرر أن يصلّي صلاة الفجر في المسجد ويفاجئ معلمة مرة أخرى .
تمدد عبد الرحمن على سريره وهو يفكر
بصلاة الفجر والأجر الذي ينتظره من الله . وغفت عيناه، ثمّ استيقظ على صوت أمه توقظه للاستعداد للذهاب
للمدرسة.
أصاب الطفل همّ عظيمة وعلت الكآبة
وجهه فقد فوّت صلاة الفجر وفاته آجر عظيم . ولكنّه ما زال مصمماً على صلاة الفجر
بالمسجد ، فقرر أن لا ينام هذه الليلة وأن يبقى مستيقظا الليل كلّه ، و استطاع هذا
الفتى أن يبقى مستيقظا وتسلل ببطء الى باب بيته عند سماعه آذان الفجر يصدح مناديا
المفلحين بقوله ( حيّ على الفلاح ) وما أن فتح باب بيته حتى تفاجأ بظلمة الليل
ودبيب الخوف يغزو قلبه وأخذت رجلاه تتراجع إلى الوراء ثم يدب في قلبه حب الأذان
والصلاة فيقدم رجلا ويؤخر أخرى، وما زال الفتى على تردده يقدم رجلا ويؤخر أخرى حيى سمع صوتا يقترب منه
شيئا فشيئا ( تك ، تك ، تك ، تك ) أهه .... انه صوت عكازة ( باقورة ) الحاج رضوان
.
هاهو يسير ببطء الى المسجد ، فما كان من عبد الرحمن
إلا أن سار خلفه دون أن يراه حتى لا يقول لوالده فيمنعه من الخروج للمسجد.
وصلّى عبد الرحمن صلاة الفجر لأول
مرة . وكم كانت سعادته بها . شعر بأن الله راضٍ عنه وانتظر حتى فجّ ضوء النهار
لينطلق الى بيته لأن الحاج رضوان يتأخر إلى شروق الشمس. وبقي على هذه الحال خمسة
أشهر .
كم كانت سعادة أمجد ( معلم التربية الاسلامية ) عظيمة بسعادة
عبد الرحمن؛ فقد أصبح هذا الطفل قدوة حسنة لزملائه الكثر الذين يؤدون صلاة الفجر
في جماعة .
ولكن السعادة التي ملأت قلب الطفل
الصغير خالطها بعض الحزن اذ صادف أثناء عودته من المدرسة تجمع أهل الحي أمام منزل
الشيخ رضوان . وعند استقصاءه عن الأمر فوجئ بخبر صدّع قلبه ومزقه ، وشتت
أحاسيسه وبعثرها ، فقد مات الشيخ الجليل
الذي أذهب عنه رهبة ظلمة الليل وآنسه طوال هذه الليالي. وعاد إلى منزله مهموما تملؤ الدموع عينيه وشهيق البكاء لا يفارقه فهو يبكي بحرارة على ما فقد.
سألته أمه قائلة: لماذا تبكي؟ من ضربك ؟
فلم يجبها بل ازداد بكائه وشهيقه وأدار له ظهره وانطلق الى
غرفته .
كيف له أن يقول لها قصته مع الشيخ
رضوان ؟ سوف تمنعه من الخروج الى المسجد وتخبيء مفتاح الباب عنه.
رجع الأب من عمله مرهقا وحدثته الأم
عمّا كان من ولدها ، فنادى عليه وقال له: ماذا حدث معك في المدرسة ؟ من ضربك؟ ولما
كلّ هذا البكاء ؟
لم يجب عبد الرحمن والده . وأصرّ
أبوه عليه وصرخ عليه طالباً منه إجابة لكل ما حدث. فما كان من عبد الرحمن إلا
الرضوخ لأمر والده وقال له: ( لقد مات الشيخ رضوان يا لأبي ).
عندها صدم الأب من هذه الإجابة
وأخذ يسب ويشتم ويصرخ في وجه ولده ويقول : ما لنا وللشيخ رضوان ؟ ومن هو الشيخ
رضوان ؟ هل هو أحد أقاربك أو أصدقائك ؟
ظل الأب يصرخ بعصبية وكذلك الأم
بسبب بكاء الطفل على رجل لا يعرفونه حتى ضاقت الدنيا بعبد الرحمن وصرخ في وجه والده
قائلا: ( ليتك مت أنت ولم يمت الشيخ رضوان ).
صُدم الأب من كلام ابنه وأخذ
الكلام يتلاشى من بين شفتيه ولم ينبس ببنت شفة .
وبعد ساعة من الهدوء استفسر الوالد
من ابنه عن قصته مع الشيخ رضوان . فقصّ الطفل القصة من البداية حتى النهاية
المفجعة ، ولكنها كشفت عن مفاجئة لم تكن بالحسبان .
فقد أجهش كلّ من الأب والأم بالبكاء ، معترفين بذنبهم بترك
الصلاة وعاهد الوالد ابنه انه سيكون أنيسه ورفيقه إلى المسجد.
فرح الطفل فرحاً عظيما وانطلق إلى
والديه يحضنهما. وهمس في أذن والده والدموع تملؤ عينيه : هيا يا أبي توضأ لنذهب
إلى المسجد لنصلّي العصر ونصلّي صلاة الجنازة على الشيخ رضوان.
في صبيحة اليوم التالي طلب المعلم
من عبد الرحمن أن يقص قصّته على زملائه من خلال الاذاعة المدرسية . وصفق له الحضور
وفرحوا لفرحه وترحموا على الشيخ رضوان.
رحمك الله أيها الشيخ الجليل
هناك تعليق واحد:
Thanks to topic
إرسال تعليق