مقدمة :
المحور الثاني ـ أهمية الأمن والاستقرار ومكانتهما في الإسلام :
والأمن نعمة من أجل نعم الله عز وجل – على عباده وهي مطلب كل أمة وغاية كل دولة ومن أجلها جندت الجنود ورصدت الأموال وفي سبيل تحقيقها قامت الثورات والصراعات ، ونعمة الأمن كانت أول دعوة دعا بها أبونا إبراهيم – عليه السلام – حيث قال :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ".
إن الأمن في الأوطان من أعظم النعم التي تفضل الله سبحانه وتعالى بها على بني الإنسان ، وحتى تتحقق الغاية من خلق البشر وهي عبادته سبحانه وتعالى لابد من الأمن والأمان للفرد والمجتمع.
فقد ورد في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه وحسنه الألباني أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال : " مَن أصبح آمنًا في سِرْبِه،مُعافًى في جسده،عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذَافِيرها " أي جمعت له .
فالحديث دال على أن أمن الإنسان على نفسه وماله و بدنه ، وقوت يومه أعظم شيء يحصل عليه ، لأن اختلال الأمن يؤدي إلى اختلال الموازين والقيم والأخلاق ، فلا مال يستفاد منه بدون الأمن ، ولا صحة ولا حياة ترُجى بدون الأمن ، ولا استقرار ولا تطور بدون الأمن ، فالأمن هو الحياة .
وروى ابن ماجه في سننه وصححه الألباني عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق».
إن إزهاق الأرواح البريئة أو ترهيبها تعد جريمة عظيمة ، ومفسدة كبيرة تترتب عليها آثار سيئة على الفرد والمجتمع ، ومن أهم تلك الآثار اختلال الأمن ، فإذا أصبح المسلم لا يأمن على نفسه تعطلت جميع المصالح الدينية والدنيوية ، فلا يأمن المسلم على نفسه عندما يذهب لأداء العبادات في أماكنها المعدة لذلك وهي المساجد ، ولا يأمن على نفسه عندما يريد الذهاب إلى عمله مصدر عيشه، ولا يأمن الإنسان على نفسه وأهله في بيته ومحضنه ، فلا استقرار للفرد والمجتمع في غياب الأمن .
فما هي حقيقة الأمن ، وما هي أهميته ومكانته في الإسلام ، وما هي عوامل تحقيقه ؟
المحور الأول ـ مفهوم الأمن والاستقرار :
تتقارب معاني الأمن في اللغة و يتفق جميعها على أن الأمن هو تحقيق السكينة والطمأنينة والاستقرار على مستوى الفرد والجماعة ، فالأمن في المعنى اللغوي ضد الخوف.
أما المعنى الاصطلاحي: فيكمن في الإجراءات الأمنية التي تتخذ لحفظ الدولة بكل أجهزتها، وتأمين منشآتها ومصالحها الحيوية، وحماية رعاياها وتأمين شعبها في الداخل والخارج، بل ويتعدى ذلك إلى أمن العالم والكون كله .
فالإنسان - في نظر الإسلام - هو جوهر العملية الأمنية ، وهو محور الأمن الداخلي والخارجي ، لأنَّه مناط التكليف في هذه الحياة الدنيا دون غيره من سائر المخلوقات.
ومن ثم يمكن القول إن تعريف الأمن في الإسلام هو : السلامة الحِسِّيَّة والمعنوية، والطمأنينة الداخلية والخارجية، وكفالة الحياة السعيدة للفرد والمجتمع والدولة .
وبسبب تطور الحياة وأساليبها استحدثت أسماء كثيرة للأمن مثل: الأمن القومي، والأمن الجماعي، والأمن الإقليمي، والأمن الدولي، والأمن الغذائي والأمن المائي ، والأمن الفكري وغير ذلك.
المحور الثاني ـ أهمية الأمن والاستقرار ومكانتهما في الإسلام :
إن البصير بالشريعة الإسلامية وغاياتها ومقاصدها يعرف أن للأمن مكانة سامية في الإسلام ، ذلك أن أهمية الأمن في الإسلام تتجاوز مجرد الحق الاجتماعي والإنساني ، لتجعله فريضة إلهية ، وواجباً شرعياً ، وضرورة واقعية لاستقامة العمران الإنساني ، كما جعلت الرؤية الإسلامية إقامة مقومات الأمن الاجتماعي الأساس لإقامة الدين ، فرتبت على صلاح الدنيا بالأمن صلاح الدين، وليس العكس ، وتأتي شرعية الأمن في الإسلام من قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين"
وقوله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه"، وكل الكائنات في الكون تربطها علاقة جوار .
والأمن والأمان والاستقرار من معاني السلم الذي أمر الله عباده المؤمنين بأن يدخلوا فيه كافة ، كما قال بعض المفسرين ، وزوال الإيمان عن المسلم الذي يؤذي جاره يؤكد حرص الإسلام على العيش في نعمة الأمن والاستقرار والطمأنينة .
إن الإسلام يعتبر الأمن نعمة وفضلاً، لأنه عامل من أهم عوامل الراحة والسعادة لبني الإنسان في الحياة ، يتحصنون به من غوائل الفوضى وجوائر الشرور، وينعمون في ظله بالهدوء والاستقرار والاطمئنان، وقد أشار القرآن الكريم إلى دعوة إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق مكة الأمن والطمأنينة ، حين أودع فيها زوجه وفلذة كبده ، فقال تعالى: "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير" •
وقد وعد الله المؤمنين بالأمن في حياتهم إذا آثروا الهدى على الضلال، والتقوى على المعصية ، والحق على الباطل ، والعدل على الظلم ، والتوحيد على الشرك ، قال سبحانه: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"
وقال تعالى: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون". أنظر كيف ربط الإسلام الأمن القومي والغذائي بالأمن العقدي.
والأمن نعمة من أجل نعم الله عز وجل – على عباده وهي مطلب كل أمة وغاية كل دولة ومن أجلها جندت الجنود ورصدت الأموال وفي سبيل تحقيقها قامت الثورات والصراعات ، ونعمة الأمن كانت أول دعوة دعا بها أبونا إبراهيم – عليه السلام – حيث قال :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ".
فقدم عليه السلام نعمة الأمن على نعمة الطعام والغذاء فما قيمة الغذاء إذا لم يتوفر الأمان ونعمة الطعام لا تستساغ مع ذهاب الأمن ونزول الخوف ن ولقد امتن الله تعالى على عباده بهذه النعمة فقال – سبحانه وتعالى :"وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"
وقال – سبحانه :"َأوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ"
إننا إن تخلينا عن ديننا وكفرنا بنعم ربنا فستحدق بنا المخاطر وإذا لم نتمسك بديننا ونشكر نعم الله تعالى – علينا فستحل بنا المخاوف وتنتشر الجرائم وينهدم جدار الأمن إنها سنة الله تعالى – التي لا تتخلف ولا تتبدل :"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" .
أنظر كيف ربط الإسلام بين الأمن والإيمان ، فالإيمان وسيلة فعالة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي ، لأن الإسلام يحرم ويعاقب على قتل وإرهاب الأبرياء في الدنيا والآخرة ، فحيثما كان الإسلام حل السلم والأمن ، وإذا انعدم الإسلام يخشى ظهور الفتن التي تنشأ من أسباب شتى ، كالحسد ، والظلم ، والميز العنصري ، والفتنة الطائفية ، والصراع الطبقي وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي حرمها الإسلام ، فقد وجد الإسلام قبيلة الأوس والخزرج تقتتلان حتى كادتا أن تنقرضا ، فأصلح بينهما ووحدهما تحت أخوة الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"دعوها فإنها منتنة" يقصد التعصب القبلي الجاهلي ،امتثالا لقوله تعالى :"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم".
وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال :"اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربنا وربك الله".
المحور الثالث ـ عوامل تحقيق الأمن في الإسلام:
تتعدد عوامل تحقيق الأمن كما تتنوع أسبابه ، وذلك لتعدد مستويات الأمن ودرجاته ، فهناك أمن الفرد ، وأمن المجتمع ، والأمن القومي، والأمن الاقتصادي والسياسي ، والأمن الغذائي والمائي ، والأمن الفكري ، والأمن الاجتماعي...
ومن ثم يتطلب تحقيق الأمن لهذه الفئات إجراءات سلوكية وسياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها ...ومن عوامل تحقيق الأمن في الإسلام ما يلي :
أولاً ـ التربية الإسلامية على حب الأمن والسلام :
حرص الإسلام على تربية أتباعه على أسس تربوية صحيحة تحقق لهم عيش حياة هادئة مطمئنة مبنية على التوحيد والأخلاق ، والسلم والأخوة والتعاون ، ونبذ الحروب والعنف والإرهاب ، والشنآن ، والتفرقة .
ومن أبرز الأسس التي تحقق الأمن والسكينة في تربية الإسلام لأتباعه العقيدة الصحيحة التي توجه الفرد والمجتمع إلى الخير وتمنعهم من الشر، وتجعل منه نموذجاً للإنسان الصالح الذي يستثمر مواهبه في الخير الذي يعود نفعه على الإنسان والبشرية جمعاء .
وفي المقابل غذت الحضارات غير الإسلامية أبناءها بالكراهية وحب السيطرة والاستعمار واستغلال القوة في نشر الفساد والإفساد في الأرض•
ويشهد على ذلك الحروب والمعارك التي دارت بين الفرس والروم وما شهدته الجزيرة العربية من معارك ضارية قامت على أسباب تافهة قضت على الأخضر واليابس ، كالحروب التي دارت بين الأوس والخزرج ، في حين نجد العقيدة الإسلامية تغرس في نفس المسلم حب الخير للجميع ، والتعاون معهم على البر والتقوى ، قال تعالى :"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ، ولفظ الآية في طلب التعاون عام للمسلمين ولغيرهم.
ثانياً ـ ترسيخ أسس التفاهم والتعايش والاستقرار في الإسلام :
أقام الإسلام قواعد وأسس التفاهم والتعايش والاستقرار في المجتمع ، وهي كثيرة منها :
ـ تحريم الظلم والبغي ، والأمر بالعدل ، والأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى :"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" •
ـ إقامة الحدود التي تصون كيان المجتمع وتحميه من التفكك والتشرد والضياع.
ـ تحقيق الحريات والأخذ بالشورى، مصداقا لقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " .
ـ إقامة عدالة اجتماعية تعمل على توزيع الثروات، ومكافحة، الجوع والفقر، ونصرة المظلوم والتعاون على الحق ، ونبذ الفرقة ، والقضاء على عبودية الإنسان ، ومراعاة حقوق الأقليات ، والتحرر من الخوف ، قال تعالى : "يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكون خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنَّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً) رواه البخاري . وفي حديث آخر :"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" .
ثالثاً ـ إقامة أسس السلم في الحياة :
إن الإسلام رفع راية السلام منذ اللحظة الأولى لميلاده، ولم يعلن حرباً إلا إذا كان قد دُفع إليها دفعاً ، ولقد ظل ثلاث عشرة سنة بين ربوع مكة محاولاً نشر دعوته في ظل السلام فما استطاع ، واضطهد أتباعه اضطهاداً لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية ومع هذا كله كان يأمر أتباعه بالجنوح إلى السلم والأخذ بالعفو والإعراض عن الجاهلين فليس هناك دين دعا إلى السلام كما دعا إليه الإسلام، ولا مذهب من المذاهب القديمة أو الحديثة أسهم في تدعيم أسس السلام كما أسهم الإسلام•
فالسلام في الأرض هو هدفه ودعوته، ورسالته، ولم تكن حروبه في الواقع إلا وسيلة لإقرار هذا السلام في الأرض ، قال تعالى :"يأيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة"، بل من الإسلام أشتق إسم السلام ، وفي الحديث السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى الهلال :"اللهم أهله علينا باليمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ربي وربك الله ، هلال رشد وخير".
رابعا ـ اجتماع الكلمة وتحقيق الوحدة وتجنب التفرقة :
قال تعالى :" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " ، وقال تعالى " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " ، وقال تعالى " ولا تكونوا من المشركين ، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، كل حزب بما لديهم فرحون " .
خامسا ـ التزام وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه :
ويتم ذلك عن طريق ترسيخ الانتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية لقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاَ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) ، وهذا يعني الثبات على المنهج الحق وعدم التحول عنه يمنة أو يسرة ، وعدم نصرة طرف الغلو والإفراط أو طرف الجفاء والتفريط في صراعهما المستمر.
سادسا ـ فتح الحوار الحر الرشيد داخل المجتمع :
وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع والحوار البناء ؛ وتجنب أساليب القمع التي تؤدي إلى العمل في السر والدهاليز ، والبحث عن بدائل للتعبير عن الأفكار الكامنة في النفس بطرق غير شرعية وغير قانونية وغير إنسانية ، وتؤدي إلى الإخلال بأمن المجتمع ، ومن تطبيقات هذه القاعدة في السنة النبوية قول بعض حدثاء العهد بالإسلام لرسول الله: ( اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ) والمقصود طلب تخصيص شجرة يتبرك بها المسلمون ويعتقدون فيها مالا يحل اعتقاده في مخلوق ، وعلى الرغم من مصادمة هذا الطلب لثوابت المعتقد فإن البيئة الفكرية الصحية التي كان المسلمون يعيشون فيها جعلت هذا الانحراف الفكري يظهر للسطح فوراً وتتم مناقشته في العلن مع القيادة العلمية والسياسية للأمة المتمثلة في النبي صلى الله علية وسلم .
سابعا ـ ضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل فيواجه بالإقناع والحوار ، وبين من أخل بفعله بالأمن في مجتمعه بأعمال تخريبية فيجب محاسبته على ما بدر منه كائناً من كان وعقابه بما يستحقه شرعاً وقانونا .
ثامنا ـ تنزيل المقتضيات القانونية الزجرية على المخالفين ، ومنعهم من الإخلال بالأمن الفكري للمجتمع ، والأخذ بأيديهم ومنعهم من الإفساد في الأرض ليكونوا عبرة لغيرهم ، لأن تفعيل الآلية القانونية يعد ضربا من التربية على الالتزام والانضباط بما توافق عليه المجتمع ومؤسساته ، وقد ضرب النبي الله علية وسلم مثلاً بليغاً لمثل هذه الحالة فقال :" مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ،وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونحوا جميعاً " ، فإن ترك المفسدون والمعتدون يعيثون في الأرض فسادا هلك المجتمع وتعرض للخراب .
تاسعا ـ شكر نعمة الأمن ، والدعاء بدوامها :
ومن أسباب دوام النعمة شكرها والدعاء بدوامها ، قال تعالى : " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " ، والدعاء سلاح عظيم له أثر كبير في دوام النعم ومنها نعمة الأمن والاستقرار، وقد أهمله كثير من الناس ، فينبغي للمسلم أن يشكر الله دائما على نعمه وآلائه العظيمة ، ويدعو ربه بدوامها واستمرارها ، لقوله تعالى :" ادعوني أستجب لكم " ، ويعتبر بمن حوله ممن فقد هذه النعم .
المحور الرابع : موقف الإسلام من الاعتداء والإرهاب :
لقد حرَّم الإسلام على المسلمين كل أسباب العنف والإرهاب والاعتداء على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم ، وحض على العفو والتسامح والإحسان إلى المسيء ، ومراعاة حقوق الآخرين في الحياة والأمن والرأي والكسب والتمتع بنعيم الدنيا ، وما إلى ذلك من الحقوق ، فقال تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون• واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً• وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيِّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون• ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) •
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : أي يوم هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم• قال :أليس يوم عرفة ، قالوا بلى ، قال :أي شهر هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال :أليس الشهر الحرام ، قالو : بلى ، قال: فأي بلد هذا ، قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال : "أليس البلد الحرام" ، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضهم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".
ومن تم فإن كل تعصب أو اعتداء يؤدي إلى الظلم والإرهاب حرام شرعاً، وأن الذي يأتي هذه الأعمال الإرهابية ليروع أمن الناس ويعكر صفو حياتهم بعيد كل البعد عن شرع الإسلام وآدابه ، وجاهل بمنهجه وأخلاقه .
والاعتداء والإرهاب من أكبر أنواع الظلم ، لأن ما ينتج عنهما من أضرار مادية ومعنوية للفرد وللأمة يؤدي إلى زعزعة الأمن وفقدان الاستقرار ووقوع الخسائر الفادحة في الأموال والأنفس، ومن ثم يقع الإرهاب في دائرة الأفعال الإجرامية التي يحارب بها الإرهابي الله ورسوله ، قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم• إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) •
المحور الخامس : حاجة الإنسانية لأمن الإسلام :
إذا كانت المجتمعات الإنسانية تعاني اليوم من ظاهرة الإرهاب والعنف ، وإذا كانت الأنظمة السياسة في دول العالم قد عجزوا عن التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها، فإن الإسلام يملك الحلول الجذرية لمعالجة هذه الظاهرة من خلال أحكامه في العقيدة والشريعة التي تركز على التربية الإسلامية السليمة ، وتحقيق التوازن بين مطالب الروح والجسد ، والتوفيق بين ما تتطلبه الحياة الدنيا وحياة الآخرة وما يتبعها من حساب ، ومن خلال منظومته الأخلاقية التي تعول على ضمير الإنسان من خلال ربطة بخالقه سبحانه وتعالى خوفا ورجاء ، وهذا هو المعول عليه في تحقيق الأمن للإنسانية جمعاء .
خاتمـــة :
وخلاصة القول إن تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع عمل يتطلب تظافر جهود الجميع كل من موقع مسؤوليته ، المرشد الديني في مجاله ، والسياسي من موقعه ، ورجل القانون حسب اختصاصه ، والباحث في منبره ، والعالم الاجتماعي من خلال دراسته وأبحاثه الميدانية ، والقاضي من خلال أحكامه ، ورجل الأمن في وظيفته ، ورجل التربية في مهمته ، وهكذا دواليك ...
فالجميع معني بدرجة أو بأخرى بالإسهام في تثبيت الأمن وترسيخة في المجتمع ، حتى ينعم جميع أفراد هذا المجتمع بالطمأنينة والأمن والسعادة والهناء ، وينعم المجتمع بالاستقرار والرخاء والازدهار .
والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق