من روائع القصص قصة ذلك الفتى المغترب طالب
العلم في المسجد الأموي الذي عانى قسوة برودة الطقس مع معاناته آلام البعد عن
الأهل والأقرباء مما تسبب بمرضه والتزامه الفراش.
ومضت
الأيام في دمشق بطيئة ومنذ أربعة أيام لم يغادر فتانا " نور الدين "
منزله بل ومنذ يومين لم تدخل جوفه لقمة واحدة. واشتدّ عليه الجوع وصابر وكابد آلام
الجوع والبرد ........ ولكن إلى متى؟
استيقظ
نور الدين وخرج متكئًا على آلامه باحثا عن الطعام في السوق ولم يجده ....
لماذا؟؟؟؟؟ لأن الوقت بعد العشاء ببعيد واقترب انتصاف الليل ولا يوجد أي حانوت
يبتاع منه طعامه، وعاد يجر أذيال الحسرة والمرارة.
الجوع
قطّع أوصاله والألم شتت أفكاره وكاد أن يغيب عن الوعي.
كانت
بيوت دمشق متلاصقة ببعضها. خرج صاحبنا هائمًا على وجهه باحثًا عن الطعام ولكن عن
طريق السطح، صعد السلم وتجاوز المنازل واحدًا تلو الآخر حتى وصل إلى بيت علق في
سقفه وعاء تفوح منه رائحة زكية، وكانت أوعية الطعام تعلق خوفا عليها من الحشرات
والقوارض وغيرها.
تناول نور الدين الوعاء من مكانه بلهفة وشوق إلى الطعام وأخذ بيده
لقمة أراد أن يأكلها ولكنه توقف مرعوبًا مصدومًا من هول العمل الذي يقوم
به. أنا الفتى الملتزم ..... أنا طالب العلم الشرعي ...... أنا الذي أتحرى
الحلال وابتعد عن الحرام ..... ماذا حلّ بي؟
أعاد
اللقمة إلى الوعاء وغادر يؤنب نفسه والدموع تنهمر من عينيه وقد غادرته ألآم البرد
والجوع ولم يعد يحسّ إلّا بألآم المعصية ..... ويا لها من ألآم!
استيقظت سعاد من نومها توضأت وأيقظت ابنتها فاطمة وصلوا الفجر. كانت حريصة على تنشئت ابنتها تنشئة دينية وذلك بعد وفاة زوجها قبل ستة أشهر. خرجت إلى أرض الديار وأخذت تكنس وتنظف حتى أشرقت الشمس، حان وقت الفطور ونادت ابنتها وتناولت وعاء الطعام من السقف ووضعته أمامها و "يالل" المفاجئة!!!! هناك من دخل البيت ... شخص ما عبث بالوعاء ... يا الله ... يا الله
توقفت الثلوج عن الانهمار، ودبت الحياة في دمشق. خرجت سعاد ومعها ابنتها
مسرعة إلى المسجد بعد صلاة الظهر. قالت لإمام المسجد بصوت مضطرب حيي ممزوجًا
بالبكاء " زوجني يا أبا محمد " ورددتها مرارًا، وقصت عليه ما حدث.
انتهى درس الشيخ "ابو محمد" بعد صلاة العصر وختمة قائلا: " من منكم
يرغب بالزواج؟ " .... لم يجبه أحد وكرر السؤال ولكن دون ردّ.
نادى ابو محمد تور الدين وسأله عن حاله وسبب تغيبه عن المسجد وعندما علم مرضه نصحه
بالزواج وعرض عليه الزواج من سعاد ........ فوافق
استدعى الشيخ سعاد واثنين من الشهود وعقد قرانها على نور الدين.
أمسك نور الدين بيد " فاطمة " وسار وزوجه إلى منزلها وطلبت منه الجلوس في أرض الديار.
قدمت
سعاد طعام الغداء لزوجها ووضعت أمامه ذاك الإناء......... ودهشت سعاد من منظر زوجها
الذي أجهش بالبكاء وخرّ على الأرض ساجدًا.
قصّ عليها كلّ شيء ...... وبكت بكآءً لا يخلو من الفرح.
من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه .... زوجة وبيتًا .....
والأهم من ذلك بنتًا يحسن تربيتها تكون سببًا في دخوله الجنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق