اذكـآر وأدعيـة   دعاء من أصابته مصيبة   ..   ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول كما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها (رواه مسلم632/2)   دعاء الهم والحزن    .. ما أصاب عبداُ هم و لا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي " . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً رواه أحمد وصححها لألباني.لكلم الطيب ص74 اللهم إني أعوذ بك من الهم والخزن ، والعجز والكسل والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال ". كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء   دعاء الغضب    .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم رواة مسلم .2015/4   دعاء الكرب    .. لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم ، لاإله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم متفق عليه قال صلى الله عليه وسلم دعاء المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً صحيح . صحيح سنن ابن ماجه(959/3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعوة النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :" لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له . صحيح .صحيح الترمذي 168/3   دعاء الفزع    .. لا إله إلا الله متفق عليه   ما يقول ويفعل من أذنب ذنباً    .. ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الطهور ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غُفر له صحيح صحيح الجامع 173/5   من استصعب عليه أمر    .. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً رواة ابن السني وصححه الحافظ . الأذكار للنووي ص 106   ما يقول ويفعل من أتاه أمر يسره أو يكرهه    .. كان رسول الله عليه وسلم إذا أتاه أمر ه قال :الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و إذا أتاه أمر يكرهه قال : الحمد الله على كل حال صحيح صحيح الجامع 201/4 كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو يُسر به خر ساجداً شكراً لله تبارك وتعالى حسن . صحيح ابن ماجه 233/1)   مايقول عند التعجب والأمر السار    .. سبحان الله متفق عليه الله أكبر البخاري الفتح441/8   في الشيء يراه ويعجبه ويخاف عليه العين    .. إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ، فإن العين حق صحيح. صحيح الجامع 212/1.سنن أبي داود286/1 . اللهم اكفنيهم بما شئت رواه مسلم 2300/4 حاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم رواه مسلم 1363/3   دعاء صلاة الاستخارة    .. قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمُنا السورة من القرآن ، يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، و أ ستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يسمي حاجته - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجلة و اجله - فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجله و أجله - فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به رواه البخاري146/8   كفارة المجلس    .. من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه ؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك . صحيح. صحيح الترمذي 153/3   دعاء القنوت    .. اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي و لا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إياك نعبد ، و لك نُصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحقدُ ، نرجُو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكافرين ملحق ، اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك الخير ، ولا نكفرك ، ونؤمن بك ونخضع لك ، ونخلع من يكفرك . وهذا موقف على عمر رضي الله عنه . إسناد صحيح . الأوراد171/2-428   مايقال للمتزوج بعد عقد النكاح    .. بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير صحيح. صحيح سنن أبي داود 400/2 اللهم بارك فيهما وبارك لهما في أبنائهما رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني. آداب الزفاف ص77) على الخير والبركة وعلى خير طائر رواه البخاري 36/7 ( طائر : أي على أفضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه) ما يقول ويفعل المتزوج إذا دخلت على زوجته ليله الزفاف يأخذ بناصيتها ويقول : اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جلبت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جُلبت عليه حسن . صحيح ابن ماجه 324/1   الدعاء قبل الجماع    .. لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً متفق عليه   الدعاء للمولود عند تحنيكه    .. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يؤتي بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم صحيح . صحيح سنن أبي داود 961/3) (التحنيك : أن تمضغ التمر حتى يلين ، ثم تدلكه بحنك الصبي)   ما يعوذ به الأولاد    .. أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامه ، وكل عينِ لامه رواه البخاري الفتح 408/6   من أحس وجعاً في جسده    .. ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ، ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقُدرته من شر ما أجد وأحاذر رواه مسلم1728/4   مايقال عند زيارة المريض ومايقرأ عليه لرقيته    .. لابأس طهور إن شاء الله رواه البخاري 118/4 اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً ، أو يمشي لك إلى جنازة صحيح . صحيح سنن أبي داود 600/2 مامن عبد مسلم يعود مريضاً لم يحضر أجله فيقول سبعة مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي صحيح . صحيح الترمذي 210/2 بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس ، وعين حاسدة بسم الله أرقيك ، والله يشفيك صحيح . صحيح الترمذي 287/1 أذهب الباس ، رب الناس ، إشف وأنت الشافي لاشفاء إلا شفاء لايُغادر سقماُ رواه البخاري الفتح 131/10   تذكرة في فضل عيادة المريض    .. قال صلى الله عليه وسلم : إن المسلم إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة صحيح. صحيح الترمذي 285/1 قيل ما خُرفة الجنة ؟ قال : جناها . وقال صلى الله عليه وسلم :" مامن مُسلم يعود مُسلماً غُدوة ، إلا صل عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُمسي ، وإن عاده عشيةَ إلا صلى عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُصبح وكان له خريف في الجنة صحيح . صحيح الترمذي 286/1   مايقول من يئس من حياته    .. اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق متفق عليه اللهم الرفيق الأعلى رواه مسلم1894/4   كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان    .. لايدعون أحدكم بالموت لضر نزل به ولكن ليقل : اللهم أحيني ماكنت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي متفق عليه   من رأى مببتلى    .. من رأى مُبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يُصبه ذلك البلاًء صحيح. صحيح الترمذي 153/3   تلقين المحتضر    .. قال صلى الله عليه وسلم : لقنوا موتاكم قول : لاإله إلا الله رواه مسلم 631/2 من كان آخر كلامه لاإله إلا الله دخل الجنة صحيح . صحيح سنن أبي داود 602/2   الدعاء عند إغماض الميت    .. اللهم اغفر ( لفلان) ورفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه رواه مسلم 634/2   مايقول من مات له ميت    .. مامن عبد تصيبه مصيبة فيقول :" إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها . إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها رواه مسلم 632/2   الدعاء للميت في الصلاة عليه    .. اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نُزُله . ووسع مُدخلهُ . واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ( ومن عذاب النار ) رواه مسلم 663/2 اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأُنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لاتحرمنا أجره ولاتضلنا بعده صحيح. صحيح ابن ماجه 251/1 اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، أنت الغفور الرحيم صحيح . صحيح ابن ماجه 25/1 اللهم عبدك وابن عبدك وابن امتك إحتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان مُحسناً فزده في حسناته ، وإن كان مُسئاً فتجاوز عنه واه الحاكم ووافقه الذهبي . انظر أحكام الجنائز للألباني ص159   وإن كان الميت صبياً    .. اللهم أعذه من عذاب القبر حسن . أحكام الجنائز للألباني ص161. اللهم اجعله فرطاً وسلفاً ، وأجراً موقوف على الحسن - البخاري تعليقاً   عند ادخال الميت القبر    .. بسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله ( أو على سُنة رسول الله ) صحيح. صحيح الترمذي 306/1   مايقال بعد الدفن    .. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال :" استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل صحيح . صحيح سنن أبي داود 620/2   دعاء زيارة القبور    .. السلام عليكم أهل الديار ، من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المُستقدمين منا والمستأخرين وإنا ، أن شاء الله بكم للاحقون رواه مسلم 671/2   دعاء التعزية    .. إن لله ماأخذ وله ماأعطى . وكل شئ عنده بأجل مُسمى ...فلتصبر ولتحتسب متفق عليه

16‏/06‏/2017

يَصْنَعُوْن ، يَعْمَلُوْن ، يَفْعَلُوْن تَعْرِيْفُهَا وَ الفَرْقُ بَيْنَهَا فِيْ التَّعْبِيْرِ القُرْآنِيّ/عَدْنَاَنُ الْغَاَمِدِيّ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله القائل ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) وأصلي واسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
نقف أمام ثلاث مفردات قرآنية قد يظن البعض أنها مترادفة لا فرق بينها والحقيقة أن الله جل وعلا لا ينزل آية إلا ولها موضع ولا يضع مفردة في موضع إلا وهي أنسب المفردات لهذا الموضع ولا يمكن أن يوجد ما هو انسب منها ولا يمكن أن تحلّ كلمة محلها ، الفرق بين المفردات المتشابهة أن بعضها قد تبلغ حدا لا يلحظه كثير من طلبة العلم فضلا عن عامة المسلمين مثلي ، ومصادر تلك المفردات ( صنع، فعل ، عمل ) من المفردات المتشابهة في المعنى ولكنها بلا شك تختلف عن بعضها في مواضع استخدامها ومعناها ، ولقد لاحظت من خلال الرجوع لمن فصل في هذا الأمر فلم أجد التعريف الشامل لكل مفردة والفرق السليم الصحيح بين كل منها وموضع استخدامها ، وسأبدأ مستعينا بالله بنفس المنهج الذي اتبعته في تفصيل مفردات (المكر والكيد والخداع) بأن نبدأ بتعريف كل مفردة ثم نتتبع كل مفردة في كتاب الله لنصل إلى مدى تطابق التعريف مع وظيفة المفردة بعد استقراء الآيات الكريمة.
وما أرجوه أولاً هو توفيق الله جل وعلا ثم مساعدة علمائنا الفضلاء وإخواننا الكرام الذين سيصوبوني لو وجدوا خطأً ويناقشون ما اطرحه من رؤى لعلنا نصل إلى الحق ولعلنا نخرج من الذين اتخذوا هذا القرآن مهجورا فبالله وحده نستعين.
أولا : تعريف المفردات.
يصنعون : مصدره : ] صَنَعَ[
كُلُّ مَا يَبْدَأُهُ الصَّانِعُ فَيُحْدِثُه ويَبْتَدِعُهُ وَيَبْتَكِرُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ مَوْجُوُدَاً ، وَقَدْ يَكُوْنُ الصُّنْعُ حَسَنَاً أوْ قَبِيْحَاً ، مُتْقَنَاً كَانَ أوْ سَيْئَ الصُّنْعْ ، وَيَجُوْزُ أنْ يَكُوْنَ المَصْنُوْعُ مَحْسُوْسَاً أوْ مَعْلُوْمَاً.
يفعلون : مصدره ] فَعَلَ[
هُوَ إحْدَاثُ أمْرٍ مُنْقَطِعٍ مُفْرَد لا يُشْتَرَطُ تِكْرَارُهُ فَإنْ تَكَرَّرَ صَارَ عَمَلاً ولَمْ يَعُدْ (فِعْلاً)،
 يعملون : مصدره ] عَمِلَ[
كُلُّ أمْرٍ يُفْضَىَ إليْهِ بِاسْتِمْرَاْرٍ وَتَكْرَارْ ، وَهَوَ شَامِلٌ لأعْمَالِ الدُّنْيَا وَأَعْمَالُ الآخِرَة (العِبَادَة) والعَمَلُ تَعْبِيْرٌ شَامِلٌ وقَدْ يَدْخلُ الفِعْلُ فِيْه وَالصُّنْعُ أيضاً خَاصَّة في مُبتدأهْ.
ثانيا : مقارنة التعبيرات القرآنية بالتعريف:وهنا سنتتبع الآيات لاستقراء المفردة ومقارنة التعريف بكل آية للنظر إن كانت تنطبق أم لا فنقول وبالله التوفيق مبتدئين بمفردة (صنع):
المفردة الأولى:
يصنعون : مصدره : ] صَنَعَ[
كُلُّ مَا يَبْدَأُهُ الصَّانِعُ فَيُحْدِثُه ويَبْتَدِعُهُ وَيَبْتَكِرُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ مَوْجُوُدَاً ، وَقَدْ يَكُوْنُ الصُّنْعُ حَسَنَاً أوْ قَبِيْحَاً ، مُتْقَنَاً كَانَ أوْ سَيْئَ الصُّنْعْ ، وَيَجُوْزُ أنْ يَكُوْنَ المَصْنُوْعُ مَحْسُوْسَاً أوْ مَعْلُوْمَاً.
ونبدأ بالآيات التي تنسب الصنع للخالق العظيم تعالت ذاته وجلت قدرته:
{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [النمل:88]
وهنا ينطبق التعريف تماماً فالله جلت قدرته بدأ صنع كل شيء ولم يكن قبل صنع الله شيئاً فأوجده الله من العدم وينطبق ذلك بجلاء على كل خلق الله ، ويميز صنعه  جلت قدرته أن كل صنعه متقن حسن لا يمكن أن يكون بأجود ولا أفضل ولا أجمل من صنعه وخلقه فتبارك الله أحسن الخالقين.
 
{ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي } [طه:39]
وهنا فالله جلت قدرته اوجد موسى عليه السلام وخلقه صناعة وهو الذي لم يكن  شيئا مذكوراً وأجرى الله إرادته حتى استوى وجاء على قدر ليكلمه ربه ويقربه ويكلفه بالرسالة.
وننتقل لنوع آخر من الصناعة وهي الصنع بوحي الله وبتعليمه:
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } [هود:37]
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } [هود:38]
{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ  فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } [المؤمنون:27]
 
فنوح صنع الفلك وأوجدها حيث لم توجد قبلاً فأبدعها وابتكرها بوحي الله وتعليمه  وكان صنعاً حسناً وهو الذي كان بعلم الله وأمر منه سبحانه وكانت بدعة مضحكة بالنسبة لقومه يسخرون منها ومن نوح كلما مروا عليه .
{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } [الأنبياء:80]
وصنع دروع الحرب أمر علمه الله لعبده داود ولا شك أن صناعة لبس الحرب إيجادوابتكار واستحداث شيء لم يكن موجوداً قبل ذلك.
وننتقل أيضاً لصناعة أخرى وإن كانت كلها تشترك في نفس المعنى وهو ابتكار وابتداع شيء لم يكن من قبل موجودا سواء كان محسوسا أو معلوما وهنا الآيات التي تتحدث عن ما يصنعه ويبتدعه ويبتكره الكافرون ، ولو تتبعنا تلك الآيات كما سنرى فإن كل ما يصنعه الكافرون مذموم لأنه مبتدع ومنكر ولنتابع القرآن الكريم :
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [المائدة:14]
وأعظم وأكبر بدعة وصنعة ابتكروها هو قولهم بألوهية نبي الله عيسى عليه السلام  ، وأن لله ولداً تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، وهذا صنع معلوم ، وهناك صنع محسوس في كنائسهم من تماثيل وأصنام وتصاوير تمثل عيسى عليه السلام وأمه يتعبدون أمامها كالأوثان فكل ذلك من البدع المحدثة والمصطنعة التي لم ينزل الله  بها من سلطان.
{ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [المائدة:63]
وهذه الآية الكريمة نكاد أن نجد للآية التي تسبقها تطابقها تقريبا وتنتهي بقوله تعالى ” يعملون” وسنأتي لتفصيل ذلك في استقراء مصدر (عمل) ، ولكن هنا في هذه الآية فإن ابتكار اليهود وابتداعهم وصنعهم قول الإثم كتأليه عزير عليه السلام  وقولهم السوء على موسى عليه السلام واستحلالهم للسحت من غير اليهود وفيما بينهم ، وكله صنع سيء لم يؤمروا به بل صنعوه بأنفسهم وأوجدوه من عندهم فكان ما يفعلون صناعة لم يسبقهم إليها أمر أو تقرير.
{ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف:137]
 يقول ابن جرير رحمه الله في تفسيره (وأما قوله : ( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ) ، فإنه يقول : وأهلكنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع ( وما كانوا يعرشون ) ، يقول : وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور ،  وأخرجناهم من ذلك كله ، وخربنا جميع ذلك . إ.هـ
فكانت كل تلك الأبنية والقصور صناعة مبتكرة مستحدثة لم تكن موجودة حتى  أتى فرعون وقومه وصنعوها وأوجدوها فكانت منطبقة على المعنى الذي عرفناه آنفاً.
{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [هود:166]
أي ما ابتدعوه من عمل يظنونه قربة وفضيلة بينما هو بدعة محدثة لم يأمر بها الله فلا ثواب عليها لأنها صنعوا ذلك من عند أنفسهم وابتكروه من ضلالاتهم ثم أصبح عملا (يفضون إليه باستمرار يعتادونه على الدوام – راجع تعريف مفردة العمل التي يدخل الصنع في مبتدأها) فالبدعة تصنع أولا وتستحدث من العدم ثم تصبح عملا مستمراً متصلاً فكان التعبير القرآني يقدم الصنع ثم يتبعه بالعمل.
{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } [الرعد:31]
أي تصيبهم بما افتعلوا وأحدثوا من صنيع سيء بحق نبيهم من تكذيب وعدوان  وأذىً وقتالٍ واستهزاء ومكر.
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل:112]
فصنعهم كفراً بنسبة نعمة الله لسواه أو عبادة غيره أو جحود فضله بدعة منكرة وصنيع سيء حادث لم يكن قبلا حيث كانوا آمنين مطمئنين فلما استحدثواوابتدعوا وافتروا كان جزائهم أن أذاقهم الله لباس الجوع والخوف بصنيعهم ذلك.
{ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف:104]
والكفر صنيع لم يأمر الله به خلقه فمن ارتكبه وفي اعتقاده انه يفعل الصواب فقد ضل من حيث يعلم أو لا يعلم ، ومن أسوأ الصنيع إحداث الكفر فيكون سنّة يعمل  بها من يأتي بعدهم فيبوءون بإثمهم وإثم من اتبع كفرهم إلى يوم الدين ، وهذ الفئة من مبتكري الكفر ومؤسسيه هم من اشد الناس عذاباً لما عليهم من تبعة وإثم  لجرمهم وإضلالهم لمن تبعهم ، والله تعالى وصف سعيهم بأنه “ضل” بعد هداية فانحرفوا عن سبيله واختلفوا عما أمروا به فضلوا وأضلوا.
{ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } [طه:69]
فصنعهم هو بإلقاء حبالهم وعصيهم وسحر أعين الناس ليكيدوا لهم فيكفرون بما أتى به موسى عليه السلام ويؤمنون بفرعون إلها فيضلون الناس عن السبيل ، وهذا ما ابتدءوه فصاروا يبدعونه ويبتكرونه ويصنعونه حيث لم يكن قبل ذلك موجودا  فسمي صنيعاً.
{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [فاطر:8]
فالعمل السيئ يبتدئه و يبتدعه الضال ويصنعه ثم يزينه شياطين الإنس والجن  والنفس الأمّارة بالسوء فيراه على غير ما هو على حقيقته معتقداً بصحته فكان هذا الصنيع والابتداع ضلالا وانحرافاً عن الحق إلى الباطل.
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [النور:30]
أي قل يا محمد للمؤمنين أن يغضوا البصر عن محارم الله ويحفظوا الفروج من ارتكاب الفواحش وإذا اجترحوا واقترفوا سوى ما هم مأمورين به من غض البصر وارتكاب الفواحش فإن الله خبير به عليم ولو تخفوا في ذلك عن الناس ، وهذا الاجتراح والاقتراف حال حدوثه ابتداء ومبادرة بصنيع سيء يفضي إليه من يفعله  دون أمر أو توجيه بل من عند نفسه.
ونختم استعراضنا للآيات الكريمة بالقول أن التعريف نجده منطبقا على كل معنى الصنع في الآيات الكريمة بالصورة التي تم تبيانها ولا يطلق الصنع على العمل ، فالصلاة والإنفاق أعمال متكررة تتابع في حياة الإنسان فلا يصح ان يقال (صنع صلاة أو صنع زكاة) إلا إن كانت صلاة من ابتكاره وابتداعه لم يؤمر بفعلها فابتدعها فتصير مصنوعة ، وسننتقل الآن للمفردة الثانية بإذن الله.
المفردة الثانية:
يفعلون : مصدره ] فَعَلَ[
هُوَ إحْدَاثُ أمْرٍ مُنْقَطِعٍ مُفْرَد لا يُشْتَرَطُ تِكْرَارُهُ فَإنْ تَكَرَّرَ صَارَ عَمَلاً ولَمْ يَعُدْ (فِعْلاً)،
ونبدأ بإذن الله في فعل الخالق وفق ما جاء في كتاب الله ، وهنا لا حكم لفعل الله ولا تقييد وذلك بنص ما جاء في كتابه الذي نفى التقييد عن أفعاله جلت قدرته بينما خلقه مقيدة أفعالهم محكومة وفق ما سيأتي :
{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [البقرة:253]
ففعل الله ليس له تقييد ولا يخضع إلى لإرادته هو سبحانه في حين تكون أفعال العباد قد تخضع لنزغ الشيطان أو كبرائهم أو أنبيائهم وشرائعهم أو أهوائهم.
{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [آل عمران:40]
فتجري مشيئة الله كما يريد سبحانه بدون تأثير أو تغيير أو توجيه فهو سبحانه يمضي إرادته ومشيئته فيكون فعله وفق ما يريد والفعل المفرد المنقطع هنا هو رزق زكريا بيحيى عليه السلام.
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } [هود:107]
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } [البروج:16]
وهاتين الآيتين الكريمتين يمكن أن يصرف الفعل فيها للفعل المفرد كأن يقال (يفعل الله الفعل الذي يريده ولا راد له عما أراد) يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره : فعال لما يريد أي لا يمتنع عليه شيء يريده . الزمخشري : فعال خبر ابتداء محذوف . وإنما قيل : فعال لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة . وقال الفراء : هو رفع على التكرير والاستئناف ; لأنه نكرة محضة . وقال الطبري : رفع ( فعال ) وهي نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب الغفور الودود . وعن أبي السفر قال : دخل ناس من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – على أبي بكر – رضي الله عنه – يعودونه فقالوا : ألا نأتيك بطبيب ؟ قال : قد رآني ! قالوا : فما قال لك ؟ قال : قال : إني فعال لما أريد . إ.هـ
و أفعال الخلق في القرآن الكريم تتسم بالإفراد والانقطاع في حصولها وعدم التكرار ويمكن ان تتسم بالإتباع عبادةً أو عادةً متعارفٌ عليها وجارية بين عددٍ من  الناس
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6]
فالملائكة الغلاظ الشداد طائعين لله جل وعلا لا يقومون بأمر ويفعلون كل فعلمفرد بأمر الله إتباعا لأمره طلبا لرضاه وتجنبا لغضبه.
{ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة:24]
والله يدعو ويأمر الكافرين لإتيان فعل (مفرد) وهو الإتيان بسورة من مثله ودعوة الشهداء من دون الله ، وترك التحدي بهذا الفعل المفرد (المطلوب لمرة واحدة) تركه ربنا جلت قدرته مفتوحا حتى يرث الأرض ومن عليها.
 
{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ } [البقرة:68]
فكان فعلاً لأنه أولا عمل (مفرد) وهو ذبح بقرة وثانياً فهو أمر وقع عليهم فكان  عليهم إتباعه بدون إبطاء فكان من أفعال العباد طاعة وإتباعا طلبا لرضاه وتحقيقاً لمعجزته بمعرفة القاتل بضرب المقتول ببعض تلك البقرة فانطبق معنى الفعل على هذا الأمر.
{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } [البقرة:71]
وأتبع الله وصف ذلك الذبح بالفعل لأنه إحْداثُ أمرٍ مرة واحدة فكان (مفرداً) فهو فعل و لأنهم مامورين به عبادة وطاعة لله كما أسلفنا.
{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ  الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة:85]
وهي عدد من الأفعال المفردة المنقطعة التي ينهاهم الله عنها و يتوعد الله من  يفعلها من اليهود بالخزي في الدنيا وأشد العذاب كما أن هذا الفعل وإحاطة الله به لا تعني غفلته عن أعمالكم اليومية وأفعالكم المتعددة الأخرى من خير أو شر فعبر عنها (بالعمل) لتشمل كل ما يأتونه يقومون به من افعال أو اعمال.
{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } [البقرة:197]
والحج أفعاله مفردة تفعل مرة في العمر وليست من أعمال المؤمنين بل من أفعالهم ، والحج فريضة أقرت بأمر الله جل وعلا كركن من أركان الإسلام.
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [البقرة:215]
أي أن كل فعل خير مفرد واحد فإن الله (به) وعبر بالضمير المفرد ولم يقل (بها) – أي بهذا الفعل المفرد – عليم وهذا الإنفاق إنما هو أمر من الله للمؤمنين .
{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء:114]
أي من يفضي إلى احد الأفعال المبينة (صدقة أو معروف أو إصلاح) ابتغاء  مرضات الله فإن وعد الله له بإيتائه أجراً عظيماً.
{ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة:79]
فالمنكر في الآية الكريمة مفرد والمفرد فعل  
{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف:28]
فالفاحشة مفردة وحدث منقطع لذلك كانت فعلاً ولم تسمى عملاً فلن تجد الفواحش  بصيغة الجمع تسمى فعلا كأن يقال (يفعلون الفواحش).
{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } [يوسف:89]
فكانت فعلة منقطعة مفردة حيث القوا أخاهم يوسف في الجب في جهالتهم .
{ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ } [إبراهيم:45]
فعذاب الله للذين ظلموا أنفسهم فعل منقطع مفرد فالصيحة بدأت ومحقت  الكافرين حتى إذا كانوا حصيداً انتهت وتوقفت وهكذا بقية أنواع العذاب.
{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف:82]
وكان الحديث عن القيام بأمر منقطع مفرد وهو بناء الجدار الذي تحته كنز الغلامين
{ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء:59]
{ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ } [الأنبياء:62]
{ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ } [الأنبياء:63]
وهذا يبين أن الفعل هو الحدث المنقطع المفرد ، والذي إن وصف فإنه يسمى فعلاً  ولا يسمى عملا وفعلة سيدنا إبراهيم عليه السلام كانت منقطعة مفردة.
المفردة الثالثة :
يعملون : مصدره ] عَمِلَ[
كُلُّ أمْرٍ يُفْضَىَ إليْهِ بِاسْتِمْرَاْرٍ وَتَكْرَارْ ، وَهَوَ شَامِلٌ لأعْمَالِ الدُّنْيَا وَأَعْمَالُ الآخِرَة (العِبَادَة) والعَمَلُ تَعْبِيْرٌ شَامِلٌ وقَدْ يَدْخلُ الفِعْلُ فِيْه وَالصُّنْعُ أيضاً خَاصَّة في مُبتدأهْ.
ولو عدنا من البداية فإن الصنيع والصناعة هو أول إحداث مبتدع مبتكر ، فإن تكرروتتابع واستمر كان عملاً ، وأي إتيان لأمر مرة واحدة يسمى فعلا ، ففعل قابيل  بقتله هابيل يسمى صنيع فقد صنع القتل ، ومن ارتكب القتل وامتهنه بعد ذلك صار يسمى القتل بالنسبة له (عملاً) لتكرره ومن فعله مرة سمي (فعلاً)
وكما سنرى فإن الآيات التي تحتوي مفردة (عمل) وتصريفاتها تتجاوز 275مرة في كتاب الله وإذا استقرأناها سنجد دلالتها تقودنا لإدراك أن الأعمال في معظمها متكررة مستمرة ومنها مثلا التكاليف من العبادات التي يمارسها العابد سواءً كان مؤمناً أو مشركاً ، والعمل يشمل الأفعال (ضمناً) لأن الأفعال المتعددة المتكررة تعدأعمالا ، فالصلاة والصوم والزكاة أعمالا لتكرارها ، أما الذبح مثلا فهو فعل و وقتل موسى للمصري يعد فعلا لأنه حدث عارض ، ولا يصح أن يكون الفعل عملا ولكن  العكس هو الصواب.
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [البقرة:110]
وهي أعمال العبادات المتكررة وتشمل الأفعال المفردة المنقطعة  أيضا ، فبجانب الصلاة والزكاة التي هي أعمال عبادات مستمرة هناك (فعل الخيرات) وهي الأفعال المنقطعة كالصدقة أو أعمال البر والصلة وغيرها من الأفعال.
{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [البقرة:134]
وأعمال الأمم البائدةمن طاعات وعبادات لله (إن كانوا مسلمين) أو لسواه (إن كانوا كفارا) لا يحاسب الله بها أممٌ غير التي عملتها ولا يسأل قومٌ عن عمل آخرين وذلك هو الحساب العدل.
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [آل عمران:30]
ويشمل الأعمال والأفعال ، أي العبادات والطاعات المستمرة والمنفردة ، والمعاصي والآثام المستمرة والمنفردة.
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } [الزلزلة:7]
{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة:8]
وهذا مصداق لما ذكرنا من أن العمل يشمل الصنيع والفعل الواحد صغيرا كان أم كبيراً والضابط في التسمية هو الشمول فإن كان الوصف يشمل أعمالا متكررة وأفعالا منقطعة جاز أن تسمى عملاً ، وأما أن كان الوصف يشمل عملاً منقطعاً فقط لا يجوز تسميته عملا بل فعل.
وبعد وفي ختام هذا العرض والتحليل فنكرر أن الصنع هو ابتداء إحداث الشيء حيث لم يكن موجودا قبل الصنع ، والفعل إحداث أمر وإتيانه مرة واحدة منفردة منقطعة ، أما العمل فهو تعبير عامٌ يشمل الصنائع والأفعال ويضاف إليها إتيان  الأمر باستمرار وتكرار.
 اللهم اهدنا للعلم بكتابك ، ويسر لنا فهم آياتك ، وبارك لنا في علمنا واغفر لنا زلاتنا ، وقيض لنا من يأمرنا بكل معروف وينهانا عن كل منكر ، واجعل اعمالنا خالصة لوجهك الكريم من غير رياء ولا نفاق ، وادرأ عنا الفتن وعن المسلمين اجمعين يا رب العالمين
هذا والله أعلى وأعلم وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

https://www.google.jo/amp/s/tafaser.com/2013/07/06/%25D9%258A%25D8%25B5%25D9%2586%25D8%25B9%25D9%2588%25D9%2586-%25D8%258C-%25D9%258A%25D8%25B9%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2588%25D9%2586-%25D8%258C-%25D9%258A%25D9%2581%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%2588%25D9%2586-%25D8%25AA%25D8%25B9%25D8%25B1%25D9%258A%25D9%2581%25D9%2587%25D8%25A7-%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2581%25D8%25B1/amp/

ليست هناك تعليقات: