اذكـآر وأدعيـة   دعاء من أصابته مصيبة   ..   ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول كما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها (رواه مسلم632/2)   دعاء الهم والحزن    .. ما أصاب عبداُ هم و لا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي " . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً رواه أحمد وصححها لألباني.لكلم الطيب ص74 اللهم إني أعوذ بك من الهم والخزن ، والعجز والكسل والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال ". كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء   دعاء الغضب    .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم رواة مسلم .2015/4   دعاء الكرب    .. لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم ، لاإله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم متفق عليه قال صلى الله عليه وسلم دعاء المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً صحيح . صحيح سنن ابن ماجه(959/3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعوة النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :" لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له . صحيح .صحيح الترمذي 168/3   دعاء الفزع    .. لا إله إلا الله متفق عليه   ما يقول ويفعل من أذنب ذنباً    .. ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الطهور ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غُفر له صحيح صحيح الجامع 173/5   من استصعب عليه أمر    .. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً رواة ابن السني وصححه الحافظ . الأذكار للنووي ص 106   ما يقول ويفعل من أتاه أمر يسره أو يكرهه    .. كان رسول الله عليه وسلم إذا أتاه أمر ه قال :الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و إذا أتاه أمر يكرهه قال : الحمد الله على كل حال صحيح صحيح الجامع 201/4 كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو يُسر به خر ساجداً شكراً لله تبارك وتعالى حسن . صحيح ابن ماجه 233/1)   مايقول عند التعجب والأمر السار    .. سبحان الله متفق عليه الله أكبر البخاري الفتح441/8   في الشيء يراه ويعجبه ويخاف عليه العين    .. إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ، فإن العين حق صحيح. صحيح الجامع 212/1.سنن أبي داود286/1 . اللهم اكفنيهم بما شئت رواه مسلم 2300/4 حاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم رواه مسلم 1363/3   دعاء صلاة الاستخارة    .. قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمُنا السورة من القرآن ، يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، و أ ستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يسمي حاجته - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجلة و اجله - فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجله و أجله - فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به رواه البخاري146/8   كفارة المجلس    .. من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه ؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك . صحيح. صحيح الترمذي 153/3   دعاء القنوت    .. اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي و لا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إياك نعبد ، و لك نُصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحقدُ ، نرجُو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكافرين ملحق ، اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك الخير ، ولا نكفرك ، ونؤمن بك ونخضع لك ، ونخلع من يكفرك . وهذا موقف على عمر رضي الله عنه . إسناد صحيح . الأوراد171/2-428   مايقال للمتزوج بعد عقد النكاح    .. بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير صحيح. صحيح سنن أبي داود 400/2 اللهم بارك فيهما وبارك لهما في أبنائهما رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني. آداب الزفاف ص77) على الخير والبركة وعلى خير طائر رواه البخاري 36/7 ( طائر : أي على أفضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه) ما يقول ويفعل المتزوج إذا دخلت على زوجته ليله الزفاف يأخذ بناصيتها ويقول : اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جلبت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جُلبت عليه حسن . صحيح ابن ماجه 324/1   الدعاء قبل الجماع    .. لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً متفق عليه   الدعاء للمولود عند تحنيكه    .. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يؤتي بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم صحيح . صحيح سنن أبي داود 961/3) (التحنيك : أن تمضغ التمر حتى يلين ، ثم تدلكه بحنك الصبي)   ما يعوذ به الأولاد    .. أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامه ، وكل عينِ لامه رواه البخاري الفتح 408/6   من أحس وجعاً في جسده    .. ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ، ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقُدرته من شر ما أجد وأحاذر رواه مسلم1728/4   مايقال عند زيارة المريض ومايقرأ عليه لرقيته    .. لابأس طهور إن شاء الله رواه البخاري 118/4 اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً ، أو يمشي لك إلى جنازة صحيح . صحيح سنن أبي داود 600/2 مامن عبد مسلم يعود مريضاً لم يحضر أجله فيقول سبعة مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي صحيح . صحيح الترمذي 210/2 بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس ، وعين حاسدة بسم الله أرقيك ، والله يشفيك صحيح . صحيح الترمذي 287/1 أذهب الباس ، رب الناس ، إشف وأنت الشافي لاشفاء إلا شفاء لايُغادر سقماُ رواه البخاري الفتح 131/10   تذكرة في فضل عيادة المريض    .. قال صلى الله عليه وسلم : إن المسلم إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة صحيح. صحيح الترمذي 285/1 قيل ما خُرفة الجنة ؟ قال : جناها . وقال صلى الله عليه وسلم :" مامن مُسلم يعود مُسلماً غُدوة ، إلا صل عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُمسي ، وإن عاده عشيةَ إلا صلى عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُصبح وكان له خريف في الجنة صحيح . صحيح الترمذي 286/1   مايقول من يئس من حياته    .. اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق متفق عليه اللهم الرفيق الأعلى رواه مسلم1894/4   كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان    .. لايدعون أحدكم بالموت لضر نزل به ولكن ليقل : اللهم أحيني ماكنت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي متفق عليه   من رأى مببتلى    .. من رأى مُبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يُصبه ذلك البلاًء صحيح. صحيح الترمذي 153/3   تلقين المحتضر    .. قال صلى الله عليه وسلم : لقنوا موتاكم قول : لاإله إلا الله رواه مسلم 631/2 من كان آخر كلامه لاإله إلا الله دخل الجنة صحيح . صحيح سنن أبي داود 602/2   الدعاء عند إغماض الميت    .. اللهم اغفر ( لفلان) ورفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه رواه مسلم 634/2   مايقول من مات له ميت    .. مامن عبد تصيبه مصيبة فيقول :" إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها . إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها رواه مسلم 632/2   الدعاء للميت في الصلاة عليه    .. اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نُزُله . ووسع مُدخلهُ . واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ( ومن عذاب النار ) رواه مسلم 663/2 اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأُنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لاتحرمنا أجره ولاتضلنا بعده صحيح. صحيح ابن ماجه 251/1 اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، أنت الغفور الرحيم صحيح . صحيح ابن ماجه 25/1 اللهم عبدك وابن عبدك وابن امتك إحتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان مُحسناً فزده في حسناته ، وإن كان مُسئاً فتجاوز عنه واه الحاكم ووافقه الذهبي . انظر أحكام الجنائز للألباني ص159   وإن كان الميت صبياً    .. اللهم أعذه من عذاب القبر حسن . أحكام الجنائز للألباني ص161. اللهم اجعله فرطاً وسلفاً ، وأجراً موقوف على الحسن - البخاري تعليقاً   عند ادخال الميت القبر    .. بسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله ( أو على سُنة رسول الله ) صحيح. صحيح الترمذي 306/1   مايقال بعد الدفن    .. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال :" استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل صحيح . صحيح سنن أبي داود 620/2   دعاء زيارة القبور    .. السلام عليكم أهل الديار ، من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المُستقدمين منا والمستأخرين وإنا ، أن شاء الله بكم للاحقون رواه مسلم 671/2   دعاء التعزية    .. إن لله ماأخذ وله ماأعطى . وكل شئ عنده بأجل مُسمى ...فلتصبر ولتحتسب متفق عليه

28‏/12‏/2023

دعوة نوح عليه الصلاة والسلام /محمد بن عبدالله زربان الغامدي

 وهو أول الرسل وأحد أولي العزم منهم، بعثه الله تعالى حين انحرف الناس عن الدين الصحيح والتوحيد الحق، وظهر الشرك فيهم أول ما ظهر بعد أن كانوا على التوحيد الصحيح عشرة قرون بعد آدم عليه السلام كما جاء في الحديث

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

"كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام".

ولما رأى الشيطان ذلك ما زال يوسوس ويزين ويلبس حتى استطاع أن يصل بهم في نهاية الأمر إلى تعظيم تلك الصور وعبادتها من دون الله، ثم انتقلت بعد ذلك إلى العرب ليقعوا فيما وقع فيه من سبقهم من الشرك ولانحراف.

كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهمدان، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم بني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما نسر فكانت لآل ذع الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت

فلما ظهر الشرك بعد أن لم يكن بعث الله نبيه ورسوله نوحاً عليه السلام يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى وحده ويحذرهم من الشرك الذي وقعوا فيه، ويبين لهم خطورة ما هم عليه، وقص الله تعالى علينا دعوة رسوله نوح عليه السلام في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ويمكن أن نلخص دعوته عليه السلام إلى توحيد الله تعالى في المواقف التالية:

الأول: بداية بدء الدعوة

بدأ عليه السلام دعوته بالتوحيد، والتحذير من الشرك وبيان خطورته ووخيم عاقبته، 

قال الله عز وجل :

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}

[هود: 25: 28]

وقال عز وجل:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}

[الأعراف: 59]

وآيات أخرى تبين أن الدعوة إلى توحيد الله عز وجل والنهي عن الشرك كانت أول ما بدأ به نوح عليه السلام دعوته، وسار على ذلك الأنبياء والمرسلين من بعده، ذلك أن التوحيد أول ما فرضه الله على عباده، وهو الذي من أجله بعث الأنبياء والرسل وأنزلت عليهم الكتب والرسالات، فكلما انحرف الناس عن هذا الطريق وزاغوا عنه، وظهر فيهم الشرك بالله تعالى بعث الله إليهم من يجدد لهم معالم هذه العقيدة، ويردهم إلى الصراط المستقيم وينقذهم من خطر الشرك والانحراف.

الثاني: براءة نوح من قومه ودعاؤه عليهم

ما رأى نوح عليه السلام إصرار قومه على الكفر وتمسكهم به ودفاعهم عنه، ومكابرتهم للحق، رغم صبره على أذاهم، ومضيه في دعوته إلى دين الله تعالى ليلاً ونهارا ً، ذلك الزمن الطويل، وأن ذلك لم يزدهم إلا عتواً واستكباراً توجه إلى ربه:

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلاَّ فِرَاراً وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً}

[نوح: 5 - 7]

فأعلمه ربه عز وجل بقوله

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

[هود: 36]

عند ذلك أعلن نوح براءته من قومه ودعا الله تعالى أن يهلكهم وأن يطهر الأرض من شركهم وضلالهم

{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً}

[سورة نوح: 26-28]

وكما قال عنه ربه تعالى

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}

[القمر: 10]

وقد استجاب له ربه سبحانه وتعالى كما قال عز وجل:

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}

[الصافات: 75]

وقال سبحانه:

{وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}

[الأنبياء: 76]

وأهلك الله قومه الكافرين ومنهم ابنه الذي لم يفتأ يدعوه إلى الإيمان إلى أن أدركه الغرق، وكان يراجع ربه فيه حتى قال له ربه عز وجل:

{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}

[هود: 46].

عندها تبرأ نوح منه وسأل ربه المغفرة والرحمة، لأن علاقة النسب وكل علاقة دون علاقة الإيمان لا عبرة بها، إذا لم تكن علاقة الإيمان بالله تعالى.

وقد عوض الله نبيه نوحاً بأن جعل في ذريته إبراهيم عليهما السلام النبوة والكتاب، فما بعث نبي إلا وهو من ذريتهما قال تعالى:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}

قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: "يخبر الله تعالى أنه منذ بعث نوحاً عليه السلام لم يرسل بعده رسولاً ولا نبياً إلا من ذريته، وكذلك إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن لم ينزل كتاباً ولا أرسل رسولاً ولا أوحى إلى بشر من بعده إلا هو من سلالته،

كما قال تعالى:

{وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}

حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم الذي بشر من بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما".

وهكذا من ترك شيئاً لله تعالى عوضه الله خيراً منه، والولاء لله تعالى مطلوب من كل مؤمن، والبراءة من كل كافر ومشرك مطلوب ولو كان أقرب الناس إليه،

قال الله عز وجل:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

وقال جل شأنه:

{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

الثالث: أهم الدروس والعبر من دعوة نوح عليه السلام

١- أن التوحيد كان أول ما دعا إليه نوح عليه السلام قومه، وبدأ به دعوته، وكذلك الرسل من بعده.

٢- أن عقيدة التوحيد هي الأصل الذي كان عليه الناس من آدم عليه السلام إلى أن ظهر الشرك في قوم نوح عليه السلام بعد عشرة قرون، فقد كانوا قبل ذلك على التوحيد الصحيح الموافق للفطرة التي فطر الله الناس عليها، والشرك حادث طارئ بعد أن لم يكن، وهذا معنى قوله عز وجل:

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن معنى قوله عز وجل:

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}

أي على الهدى والتوحيد، ثم اختلفوا بأن ظهر فيهم الشرك، فبعث الله تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام وأولهم نوح عليه السلام، وبهذا القول قال ابن عباس رضي الله عنهماومجاهد وعكرمة وقتادة.ومنهم من قال: إن معنى الآية: أنهم كانوا كفاراً، وروي هذا القول عن العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما.والقول الأول هو الصحيح لما يأتي:

أ- ما جاء في الحديث الصحيح سالف الذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الناس كانوا عشرة قرون على التوحيد بعد آدم عليه السلام.

ب– ما ثبت عن ابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهما أنهما كانا يقرءان هذه الآية:

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا}

وهما ممن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ القرآن عنهما٢.

جـ – ما جاء في الآية الأخرى في سورة يونس وهي قوله تعالى:

{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}

قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية الكريمة: "ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس، كائن بعد أن لم يكن، وأن الناس كلهم على دين واحد، وهو الإسلام،

قال ابن عباس رضي الله عنهما:

"كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام"، ثم وقع الاختلاف بين الناس وعبدت الأصنام والأنداد والأوثان، فبعث الله الرسل بآياته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة

{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}

.د – القول الأول أصح سنداً عن ابن عباس رضي الله عنهما من القول الثاني

هـ – القول الثاني لا يناسب سياق الآية الكريمة، فقوله تعالى:

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}

مدح يشعر بالقوة والترابط والوحدة، وهذا لا يكون إلا بالإيمان والتوحيد، أما الكفر والشرك ففرقة وشتات كما قال

عزَّ وجل:

{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}

١. وقال سبحانه:

{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء}

٢. وبهذا يتضح أن الأصل هو التوحيد الموافق للفطرة والشرك طارئ حادث، وأن الدعوة إلى التوحيد دعوة بالناس إلى الأصل الذي كانوا عليه، والفطرة التي فطرهم الله عليها، والشرك خروج عن ذلك وانحراف عنه، ولذلك اقتضت حكمة الله الحكيم الخبير أن يبعث أنبياءه ورسله وينزل الكتب للعودة بالبشرية إلى هذا المنهج القويم، وحمايتها من كل انحراف عنه وأول ذلك وأخطره الشرك بالله تعالى.

٣- من الدروس والعبر في عودة نوح عليه السلام: أن أول شرك ظهر في الأرض كان سببه الغلو في الصالحين، وتجاوز الحد في تعظيمهم، ولا يزال كذلك إلى يومنا هذا سبباً في وقوع كثير من الناس في الشرك بالله تعالى، والمطية الأولى التي يركبها الشيطان لفتنة بني آدم في دينهم وإيقاعهم في الشرك، وأول وسائله إلى ذلك تزيين إقامة الأنصاب والتماثيل والصور حتى يتعلقوا بها ثم لا يزال بهم حتى يعبدوها،

كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح، أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى

وفي لفظ آخر في الصحيحين:

"أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها"

فانظر كيف كان الغلو في الصالحين طريقاً إلى الشرك بالله تعالى مع طول الفارق الزمني، ولا يزال الشيطان يدخل على كثير من ضعفاء الإيمان من هذا الباب حتى يصل في نهاية الأمر إلى الشرك، نعوذ بالله من ذلك.

٤- من الدروس والعبر في دعوة نوح عليه السلام: تشابه صور الشرك وأعمال أهله في كل زمان ومكان مهما كان التفاوت الزمني في ذلك، فالأصنام التي ظهرت في قوم نوح أظهرها الشيطان للعرب فكانت فيهم يوم أن أظهرها عمرو بن لحي الخزاعي أخزاه الله، وما عمله المشركون في عهد نوح ويعمله المشركون في كل زمن من التعلق بالصالحين والغلو فيهم، ثم عبادتهم من دون الله عز وجل.٥- من الدروس والعبر في هذه الدعوة: أن رابطة الإيمان والعقيدة هي الرابطة الأولى التي تغني عن كل رابطة ولا تغني عنها رابطة مهما كانت قوتها أو قربها، وأن موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين أمر مطلوب من كل مؤمن،

قال تعالى:

{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}

وقال سبحانه:

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض}

وقال عز وجل:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}



https://rasoulallah.net/ar/articles/article/27443

ليست هناك تعليقات: