مرحلة الإمارة 454-500هـ/1062-1106م.
فتح المغرب الأقصى الشمالي454-477 /1062-1084م
بعد أن تنازل الأمير أبو بكر بن عمر ليوسف عن الإمارة، و اطمأن يوسف أن لا منافس له من الوجهة الشرعية إذ أصبح أمير المرابطين بلا منازع، اتجه نحو المغرب الشمالي لانتزاعه من أيدي الزناتيين، مستخدما أسلوب التقري[1]
العمليات العسكرية
كان هدف يوسف القضاء على زناتة و استخلاص الحكم منها، و في هذه الأثناء و صله طلب استنجاد به من صاحب مكناسة مهدي الكزنائي[2] على عدوه معنصر المغراوي صاحب فاس[3]. و طلب النجدة هذا من صاحب مكناسة أكسبه وجاهة لأنه وقع على دعوة و استغاثة و أتاح له الخطوة الحاسمة للاستيلاء على المغرب. لبى الأمير يوسف الطلب لأنه يتلاءم مع رغبته و يظهره منقذا لسكان المغرب من الزناتيين. هاجم القلعة فازاز و كانت لمهد بن تولي اليحفشي[4] فقضى عليه، ثم تابع سيره لمساعدة الكزنائي، فاعترضته قبائل زواغة و لماية و صدينة و لوامة و مغيلة و مديونة و بهلولة[5] و غيرهم في عدد كثير، و كانت له معهم حربا شديدة انهزموا فيها و تحصنوا بمدينة صدينة، فحاصرها يوسف و دخلها بالسيف و هدم أسوارها و قتل فيها ما يزيد على أربعة آلاف رجل ثم خربها، و ارتحل عنها إلى فاس عاصمة المغرب[6]
و هنا بدأ الصراع بين فرع زناتة الذي يحكم فاس و بين الأمير يوسف، و كان بصورة نجدة لصاحب مكناسة.
كان أمير فاس معنصر بن المعز المغراوي يعتمد على الحاجب سكوت الرغواطي صاحب طنجة و سبتة كما كان يعتمد على فروع مغراوية في تازا و نكور.
جرت حرب فاس بخطة الكر و الفر التي اتبعها معنصر بينما استخدم يوسف أسلوب التقري. هزم يوسف جيش فاس الذي فر نحو الشرق، فاستولى على أحوازها و ظفر بعاملها بكار بن إبراهيم و قتله[7]. ثم توجه نحو مدينة صفروا و دخلها عنوة و قتل حكامه أولاد مسعود المغراوي، و رجع بعد ذلك إلى حصار مدينة فاس حتى دخلها صلحا عام 455هـ/1063م.
بعد فرار معنصر منها الذي استبسل في المقاومة. و هذا هو الفتح الأول[8]، و هو فتح ضعيف لأنه مشروط، و هو يختلف عن فتح القوة، ففتح الصلح يتضمن بنودا لصالح البلد المفتوح تحد من تصرفات الفاتح بينما يخلو فتح العنوة منها.
أقام يوسف في فاس عدة أيام، و عين عليها واليا من لمتونة، إذ أخذ بعين الاعتبار في المراكز المهمة أقاربه مما يدل على أن وطنية الصحراوي قبلية. ثم ترك المدينة إلى بلاد غمارة و استولى على حصونها و قلاعها.
اغتنم معنصر فرصة خروج يوسف[9] وكر على فاس و دخلها و قتل عاملها المرابطي و لاقت كرته نجاحا و هدد فتوحات يوسف في المغرب الشمالي.
على أثر سقوط فاس طلب يوسف من حليفه مهدي الكزنائي أن يتجهز لقتال مغراوة خرج مهدي من مدينة عوسجة[10] و اتجه نحو فاس، خاف معنصر من أن يتقوى المرابطون عليه إذا وصل إليه حليفهم الكزنائي، فاعترض سبيله و دار بينهما قتال شديد قتل فيه الكزنائي و تفرق جيشه[11]، عندئذ بعث أهل مكناسة إلى يوسف يستصرخونه و يستغيثون به ضد معنصر و أعطوه بلادهم و بذلوا له الطاعة[12] و لكن فرحة معنصر بالنصر لم تدم طويلا، إذ تدارك الأمر يوسف و أرسل جيشا إلى فاس فحاصرها حتى ضاق الأمر بأهلها. و عندما رأى معنصر أن الحرب طارت و الأقوات انعدمت جمع جيشا من مغراوة و بني يفرن[13] و برز للقتال طالبا إحدى الشهادتين النصر أو الموت، فكانت الدائرة عليه[14] و قتل كذلك ابنه تميم[15]، فالتفت زناتة حول بيت أبي العافية و قام بالأمر محمد بن عبد الرحمان بن إبراهيم بن موسى بن أبي العافية[16]، الذي جمع قبائل زناتة و خرج لقتال المرابطين و هزمهم في معركة وادي صفير[17] و قتل عددا من فرسانهم و استسلم الكثيرون.
في هذه الأثناء كان يوسف يحاصر قلعة فازاز[18]، فعمل على معالجة الأمور بسرعة خاصة و إنها الهزيمة الثانية التي تصيب المرابطين في مواجهة عسكرية زناتة. ترك قسما من جيشه يحاصر القلعة و بعث بالآخر إلى فاس، و سار هو نحو بني مراس، و قتل أميرهم يعلي بن يوسف[19] ثم سار إلى بلاد قندلاوة و فتح جميع تلك الجهات ثم سار إلى ورغة و فتحها عام 458هـ/ 1065م و تابع الحرب حتى تم له فتح جميع البلاد من الريف إلى طنجة عام 460هـ/ 1067م[20].
بعد أن تم ليوسف فتح البلاد المحيطة بفاس نزل عليها عام 462هـم1069م بجيش بلغ مئة ألف جندي و ضرب عليها الحصار حتى دخلها عنوة بالسيف دون قيد أو شرط[21] محدثا فيها مجزرة رهيبة، فقد قتل من كان بها من مغراوة و بني يفرن و سائر زناتة حتى امتلأت الأسواق بالقتلى، إذ قتل في جامعي القروويين و الأندلس ما يزيد على الثلاثة آلاف رجل دفنوا في الأخاديد و المدافن الجماعية. و كان دخوله المدينة نهار الخميس 2 جمادى الآخرة 462هـ/1069م.
ثم نظم المدينة من جديد فأمر بهدم الأسوار التي تفصل بين العدوتين[22] و جعلها مصرا واحدا و من ثم أدار عليها الأسوار، و أمر ببنيان المساجد في أنحائها، ثم اتجه إلى تنظيمها المدني، فأعاد تخطيطها و بني الحمامات و الفنادق و أصلح الأسواق[23] و أقام يوسف فيها حتى سفر 463هـ/ 1070م خرج إلى بلاد ملوية و فتحها و استولى على حصون وطاط من بلاد طنجة[24].
[1] - ابن خلدون: العبر ج6 ص184- الاستقصا ج1ص106- و يعرف الدكتور محمد شعيرة في كتابه: المرابطون تاريخهم السياسي ص88 التقري:واستخدم يوسف التقري و هو توجيه الجيوش الى بلاد معينة للقتال مع جيوشها في معارك فاصلة لا لحصار المدن. و بهذه الطريقة تجهد البلاد المعادية، و في أثناء ذلك قد تصالحها بعض الحصون.
[3] - عينه على فاس ابن عمه الفتوح بن دوناس بن حمامة و تنازل له عنها. و بايعته قبائل مغراوة بفاس و أحوازها عام 455هـ 1063م. المغرب الكبير ص699.
[6]- بنى مدينة فاس الإمام إدريس بن إدريس عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) عام 192هـ/808م. روض القرطاس ص14-15.
[7]- روض القرطاس ص90 – و العبر ج 6 ص185.
[8]- روض القرطاس ص90 – و العبر ج 6 ص185
[9]- روض القرطاس ص90 – الاستقصاج1 ص108.
[10]- روض القرطاس 90- الاستقصا ص108.
[11]- العبر ج6 ص 185.
[12]- العبر ج6 ص185- روض القرطاس ص90- الاستقصا ص109.
[13]- روض القرطاس ص90.
[14]- العبر ج6 ص185.
[15]- روض القرطاس ص90- الاستقصا ج1 ص109.
[16]- الاستقصا ج1 ص109.
[17]- الاستقصا ج1 ص109 – العبر ج6 ص185 و يسميه ابن خلدون وادي سيمير.
[19]- روض القرطاس ص90 – الاستقصا ج1 ص109- المغرب الكبير ص 699.
[20]- المغرب الكبير ص699- الاستقصا ج1 ص109 – العبر ج6 ص185 – روض القرطاس ص90.
[22]- كانت مدينة فاس تتألف من عدوتين: عدوة الأندلسيين تأسست عام 192هـ و عدوة القرويين عام 193- المغرب ص115.
[23]- روض القرطاس ص91.
[24]- روض القرطاس ص91 – العبر ج6 ص 185.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق