لقب الإمارة
في هذه الأثناء استدعى يوسف أمراء المغرب و شيوخ القبائل من زناتة و مصمودة و غمارة لمبايعته، فبايعوه بالإمارة[1]، فكساهم و أغدق عليهم الأموال و أكثر لهم العطاء، ثم خرج يحيطون به للطواف على المغرب و تفقد أحوال الرعية[2] مصلحا أمورها رادا الناس عن غواياتهم ناظرا في سيرة ولاته و عماله، و كان يوسف يقصد من وراء ذلك إضفاء صفة الشرعية على فتوحاته وغن زعماء المغرب يؤيدونه و يعترفون بزعامته التي أقامها بعبقريته الفذة و بتخطيطه العسكري الناجح، و يشعر الناس كذلك إنه ليس مجرد فاتح من الصحراء بل منظم لأمور دولة ساهر على مصلحة رعيتها من اضطهاد الولاة، و بالتالي هذا الجول و الطواف- بصحبة أمراء المغرب و حكامه السابقين الذين قاوموه طويلا و بذل جهودا جبارة حتى أخضعهم- يبعث الرهبة في نفوس الذين لم يخضعوا حتى ذلك الوقت.
بعد تلك الجولة المغربية تابع الأمير يوسف عملياته العسكرية، فغزوا المنة[3]عام 465هـ/1072م من بلاد طنجة و فتح جبل علودان، و في العام 467هـ/1074م استولى على جبال غياثة و بني مكود و بني رهينة من أحواز تازا و جعلها حدا فاصلا بينه و بين زناتة الهاربة إلى الشرق، و أجلى عن المغرب كل من ظن فيه أنه من أهل العصيان، فأصبح خالصا له مرتاحا إلى طاعته[4]مطمئنا إلى خلوده إلى السكينة و الهدوء غير تواق للثورة عليه.
و هكذا أصبحت منطقة تازا ثغرا منيعا بينه و بين زناتة[5]، و لذلك يعتبر ذلك العام 467هـ/1074م فاصلا في تاريخ الدولة المرابطية، إذ بسط يوسف نفوذه على سائر المغرب الأقصى و الشمالي باستثناء طنجة و سبتة.
كانت سبتة و طنجة من أملاك الحموديين العلويين[6]الذين بسطوا سيطرتهم على جنوب الأندلس اكثر من ثلث قرن محرم 446هـ407هـ/تموز 1016- 1055م، و قد استنابوا عليهما من وثقوا بهم من الصقالبة.
وظل الأمر كذلك إلى أن استقل بهما الحاجب سكوت البرغواطي[7] و إطاعته قبائل غمارة، و طالت فترة حكمه حتى قيام دولة المرابطين، و بعد أن أخضع الأمير يوسف سائر المغرب و أصبحت حدوده مجاورة لإمارة الحاجب سكوت طلبا منه الأمير يوسف الموالة و المظاهرة على أعداء المرابطين، و كاد الحاجب يقبل بالعرض لولا أن ثناه ابنه عن عزمه [8]، عند ذلك وجه الأمير يوسف اهتمامه لإسقاط الحاجب و الاستيلاء على أملاكه، فجهز جيشا من اثني عشر ألف فارس مرابطي و عشرين ألفا من سائر القبائل[9] و أسند قيادته إلى صالح بن عمران عن 470هـ/ 1880م و أمره بمهاجمة طنجة، و عندما اقترب المرابطون منها برز إليهم الحاجب سكوت على رأس جيشه و هو شيخ يناهز التسعين، و قال ( و الله لا يسمع أهل سبتة طبول اللمتوني و أنا حي أبدا)[10]. و كان معه ابنه ضياء الدولة يحيى. و جرت المعركة في وادي منى من أحواز طنجة[11] قتل فيها الحاجب و انهزم جيشه و التجأ ابنه يحيى إلى سبتة و اعتصم بها، و دخل المرابطون مدينة طنجة و كتب القائد ابن عمر أن الفتح إلى الأمير يوسف.
بعد فتح طنجة استأنف الأمير يوسف توسعه نحو الشرق لمطاردة زناتة التي لجأت إلى تلمسان، و كان الفتح نحو الشرق قد توقف منذ العام 467هـ/1074م،إذ أن يوسف كان مطمئنا إلى تلك الناحية من الحدود بعد تحصين ثغر تازا.
كان تطاع يوسف إلى الشرق يهدف إلى القضاء نهائيا على أية مقاومة تهدد دولة المرابطين في المستقبل. و لعل أحداثا وقعت من قبل الزناتيين الفارين و هددت الأمن المرابطي في تلك المنطقة، خاصة و إن كثيرا منهم قد هجروا مناطقهم في فاس و غيرها من مناطق المغرب و التجئوا إلى القسم الأصلي يحرك فيهم روح المقاومة للعودة، و هذا أمر طبيعي و ربما دفعهم ذلك إلى التجمع استعدادا لتلك العودة[12].
بدأ يوسف عملياته العسكرية باتجاه الشرق نحو تلمسان، و كانت بمثابة الهجوم الوقائي ضد عدوان مرتقب و كان يحكم المدينة الأمير العباس بن بحتي من ولد يعلي بن محمد بن الخير المغراوي[13]. أرسل يوسف قائده مزدلي لغزوها [14] في عشرين ألفا و استطاع الجيش المرابطي هزيمة جيش تلمسان و أسر قائده معلي بن يعلي المغراوي الذي قتل على الفور، و ضرب تجمع زناتة ثم عاد الجيش المرابطي إلى مراكش[15] و الظاهر أن عملية تلمسان لم تكن تهدف إلى الفتح و التمركز في المدينة بل كانت لضرب الزناتيين الفارين مما يدل على عودة مزدلي المبكرة دون أن يثبت أقدام المرابطين في تلك المنطقة.
بعد عملية تلمسان اتجه الأمير يوسف نحو الريف، كان يحكمه بيت العافية، وكان قد تركه و لم يأخذ منه إلا منطقة تازا و ما جوارها. فغزاه عام 473هـ/1079م وفتح أكرسيف و مليلة[16] و سائر أنحاء المغرب، و ضرب مدينة تكرور و لم تعمر بعد ذلك و كان الدافع إلى ذلك حتى لا تتخذها زناتة حصنا لمقاومة المرابطين، و هكذا اندثرت المدينة التي عاشت أربعة قرون.
بعد الاستيلاء على الريف جاء دور تلمسان، فقد حان الوقت للقضاء نهائيا على زناتة تلمسان و إخضاعها إذ أن الصراع معها بلغ مرحلة حاسمة لم يعد من الممكن البقاء للفريقين متجاورين و لا بد لأحدهما أن يزول من الوجود، سار يوسف نحوها وفي طريقه فتح وجدة و بلاد بني يرناسن وما والاها[17] عام 474هـ/1080م. ثم وصل إلى عاصمة المغرب الأوسط و ضرب عليها الحصار حتى استسلمت فقتل أميرها العباس بن يعلي و ولى عليها محمد بن تنيغمر و صارت ثغرا للملكة بدل ثغر تازا بعد أن كانت حصنا للعدو، و اتخذ بالقرب منها مدينة بمثابة الحصن الأمامي لحماية المرابطين في عاصمة زناتة. و سميت المدينة باسم تاقررت، و كان محلها مكان معسكر الأمير يوسف[18]. ثم تتبع زناتة شرقا فاستولى على وهران و تنس وجبال وانشريش و وادي الشلف حتى دخل مدينة الجزائر[19] و توقف عند حدود مملكة بجاية التي يحكمها بنو حماد من صنهاجة و قد آثر انسباءه الحماديين على الزناتيين المعادين له.
و بنى يوسف في مدينة الجزائر جامعا لا يزال إلى اليوم و يعرف بالجامع الكبير، و التشابه واضح بينه و بين جامع تاقررت و هو دليل على اهتمام المرابطين بالمنشآت الدينية[20].
بعد أن اطمأن الأمير يوسف إلى حدود الشرقية و قضى على آخر جيوب المقاومة الزناتية عاد إلى مراكش عام 475هـ/1081م، و هو يفتخر بأنه حمل لواء المرابطين منذ انطلاقهم من الرباط منذ ثلاثين سنة و قادهم إلى النصر و حقق وحده المغرب بعد أن عجز عن تحقيقها قادة الفتح الأوائل و كذلك قبلهم الرومان و الوندال و نعم المغرب لأول مرة بوحدته السياسية.
وفي العام 476هـ/ 1083م وجه الأمير يوسف ابنه المعز في جيش إلى سبتة لفتحها إذ كانت المدينة الوحيدة التي لم تخضع له، كان يحكمها بعد وفاة الحاجب سكوت ابنه ضياء الدولة يحيى، فحاصرها المعز برا و بحرا و دارت معركة بحرية[21] كانت سجالا بين الفريقين إلى أن أرسل المعتمد سفينة ضخمة رجحت كفة المعركة لصالح المرابطين و انهزم ضياء الدولة و حاول الفرار في البحر و لكن المرابطين طاردوه فدخل إلى دار تعرف بدار تنوير في المدينة و هناك ألقي القبض عليه و أرسل إلى المعز الذي قتله و كتب بالفتح إلى والده و ذلك في ربيع الآخر477هـ/1084م.[22]
[6] - يرجع نسب الحموديين إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن بن علي بن أبي طالب(ع). و لعب علي بن حمود بن ميمون ... بن إدريس دورا في الاستيلاء على قرطبة من يد سليمان الخليفة الأموي و ما لبث أن خلعه في محرم 407هـ/أول تموز 1016 ودعا الى نفسه بالبيعة و قتل سليمان و تلقب بالناصر لدين الله.
[7] - اشترى عبد الشيخ حدادا و هو من موالي بني حمود سكوت من برغواطة فنسب إليها ثم صار إلى علي بنحمود أول خليفة علوي في الأندلس روض القرطاس ص92 و يسميه سقره- الاستقصا ج1 ص111.
[8]- الاستقصا ج1 ص111.
[9]- الاستقصاج1 ص111- روض القرطاس ص91- العبر ج6 ص185.
[10]- الاستقصاج1 ص111- روض القرطاس ص 92.
[16] يشير ابن عذاري في البيان المغرب ج 4 ص30 الى هزيمة يوسف في اكرسيف على يد القاسم بن أبي العافية بينما بقية المصادر تشير إلى النصر العبر ج6 ص186- روض القرطاس ص92- الاستقصا ج1 ص110.
[18]- الاستقصا ج1 ص110 –العبر ج6 ص186- روض القرطاس و يشير فقط إلى فتح تلمسان ص92.البستاني ص238.
[20]- د. محمد شعيرة: المرابطون تاريخهم السياسي ص97
[21] - وردت تفاصيل المعركة البحرية بين ابن الحاجب و المرابطين في كتاب الدكتور عبد العزيز سالم: المغرب الكبير ص 716 نقلا عن الذخيرة : لما قدم أسطول المرابطين في سنة 1083م486 هـ لمحاصرةسبتة من البحر لقيه المعز بن سكوت ببقية من أسطول طالما أوسع البلاد شرا و ملأ قلوب أهلها ذعرا، فكان لأول ذلك اليوم ظهر على أسطول المرابطين حتى أخذ منه قطعة جليلة المقدار ظاهرة الحمل و الاسفار... و غضب أمير المسلمين إحدى غضباته فكانت اياها و نفرت المنايا على سبتة و تقدمت تلك السفينة فأطلت على أسوارها و رفعت صوتها ببوارها و أفضت بدولة صاحب سبتة الى سوء قرارها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق