مرحلة نيابة يوسف على المغرب 452-454هـ/1060-1062م
بعد أن ابتعد المرابطون عن موطنهم الأول، فرضت الظروف الجديدة عليهم بأن يكون للصحراء جندها و للحضر جنده، إنها فكرة اقتضت العمل بها أخبار ترامت من أرض الأصول لأرومة المرابطين تشير إلى اختلال أمر الصحراء[1]، إلى اختلاف جدالة و لمتونة[2]، و هما مجمع أجناد الدولة، و هو خلاف كان بإمكانه تشتيت شمل المرابطين و العودة بهم إلى ديار، فتنعكس آثاره على البلاد المفتوحة- و هذا ما نبه إلى خطورته الإمام ابن ياسين في وصيته- و كذلك إلى تحرك السودان ضدهم. فاختار أبو بكر حلا لهذه المشكلة و خص نفسه بالمجال الحصراوي و ترك الشمال لابن عمه يوسف بن تاشفين، فأنابه[3] عنه و أمره بمتابعة الجهاد بعد أن ترك له ثلث الجيش المرابطي[4]
و باستلام يوسف الأمر في المغرب، نجد قيادة جديدة لا تختلف عن القديمة إنما هي استمرار لها و استيحاء من مصدر واحد مشترك. كان يوسف أفتح أفقا لجو الحضر من الأمير أبي بكر المتمسك بالصحراء و مع ذلك فقد كان قائدا من نمط صحراوي كامل مالكي شديد التدين و التقشف كان ملكا أشبه بالأولياء يتوخى أن يكون زخرفه في عمله لا في مأكله و ملبسه.
سار القائد يوسف لتحقيق المهمة التي ندبه إليها الأمير أبو بكر، و لما وصل إلى وادي ملوية استعرض جيشه و قد بلغ أربعين ألفا فقسمه إلى أربعة أقسام[5] و اختارت لكل قسم قائدين من أشهر القادة و هم سير بن أبي بكر اللمتوني و محمد بن تميم الجدالي و عمر بن سليمان المسوفي و مدرك التلكاني[6]، و عقد لكل منهم على خمسة آلاف و بعث بهم إلى أنحاء المغرب، و تولى بنفسه قيادة بقية الجيش.
زحف يوسف نحو المغرب فتغلب على أكثر مناطقه، فقد هزم مغراوة و زناتة و بني يفرن و هرعت سائر القبائل إلى الاستسلام و الطاعة. و خلال مدة لا تتجاوز بضعة أشهر بسط يوسف سلطانة على المغرب الأوسط و الجنوبي، و عاد إلى أغمات عام 454هـ/1062م و اقترن بزينب النفزاوية[7] و بدأ بإنشاء مراكش.
و في هذه الأثناء استقام أمر الصحراء و قضى الأمير أبو بكر بن عمر على الخلاف و دفن الفتنة في مهدها و أصلح شؤون السكان، ترامت إليه أخبار ابن عمه يوسف و ما فتح الله على يده من البلاد، و عاد ليعزله و يولي غيره[8] ونزل خارج أغمات.
شعر يوسف بدقة الموقف و حرجه، إذ لا يمكنه أن يتمرد على إمامه و أميره الشرعي أبي بكر لأنه شديد التدين، و كذلك لا يمكنه أن يتخلى بسهولة عما في يده من الملك. و هنا برز دور زوجة زينب بن إسحاق، فقد شاورها في الأمر، و كان رأيها[9] أن يظهر له الغلظة و كأنه مساو له و مقاوم و أن يلاطفه بالهدايا و الأموال و الخلع و الثياب لأن ذلك مستطرف في الصحراء القاحلة و مرغوب فيه. و في هذه الأثناء تسارع أصحاب الأمير أبي بكر للسلام على يوسف الذي استغل هذه البادرة و أحس بالزعامة، فاستقبلهم بالترحاب وأغدق عليهم الأموال و الهدايا الفاخرة فكسب ودهم و استمالهم[10]، و بذلك قوى مركزه بالتقرب من جنود ابن عمه، و أعلن تمرده عند أول مقابلة بينهما، فتلقى يوسف ابن عمه الأمير أبي بكر بمظاهر السلطنة و سلم عليه راكبا و لم يترجل كعادته يحيط به حرسه الخاص[11] و جيشه الجرار مما أدخل الرعب في قلب الأمير أبي بكر خاصة عندما جاءه جواب يوسف بأنه يستعين بهذه القوات على من يخالفه، و مع ذلك لم يشأ يوسف أن يقطع الصلة نهائيا مع ابن عمه الأمير أبي بكر إذ قدم إليه هدية ثمينة جدا[12] قبلها الأمير شاكرا بعد أن أدرك أن يوسف لن يتخلى له عن الأمر بسهولة و إذا حدث صراع بينهما فإن الدولة الناشئة ستنتهي قبل أن تبصر النور، فجمع الأمير أبو بكر أشياخ المرابطين من لمتونة و أعيان الدولة، و الكتاب و الشهود و أشهدهم على نفسه بالتخلي ليوسف عن الإمارة،[13]وقد علل الأمير أبو بكر هذا التنازل لابن عمه يوسف لدينه و فضله و شجاعته و حزمه و نجدته و عدله وورعه و سداد رأيه و يمن نقيبته[14]، و أوصاه الوصية التالية:يا يوسف إني قد وليتك هذا الأمر و إني مسئول عنه فاتقي الله في المسلمين واعتقني و اعتق نفسك من النار و لا يضيع من أمور رعيتك شيئا فإنك مسئول عنهم، و الله تعالى يصلحك و يمدك ويوفقك للعمل الصالح و العدل في رعيتك و هو خليفتي عليك و عليهم[15]،و انصرف الأمير أبو بكر بعد ذلك إلى الصحراء و بقي يجاهد الكفار حتى استشهد عام 480هـ/1087م.[16]
[1] - روض القرطاس ص85- الحلل ص12- العبر ج6 ص184 – أعمال الأعلام 230- أشباخ: الأندلس في عهد المرابطين و الموحدين ص65 – المغرب الكبير 697.
[6] - راعي يوسف في توزيع القواد الوضع القبلي فكان القادة من لمتونة و مسوفة و جدالة. و قد ورد اسم مزدالي بدل مدرك أعمال الأعلام ص 234.
[11] - شكل يوسف حرسا خاصا اختارهم حسب اللياقة البدنية و الكفاءة القتالية.(يبحث موضوع الحرس مع موضوع الجيش فيما بعد)
[12] - الهدية التي قدمها يوسف الى الأمير أبي بكر مؤلفة من 25ألف دينار ذهب و 70 فرسا منها 25 مجهزة بمفاخر الجهازات و 70 سيفا محلاة و 20 من الأشابر المذهبة و 150من البغال الذكور و الإناث و 20 جارية أبكارا و جملة من الخدم و 200 من البقر و 500 رأس من الغنم و 1000 ربع دقيق درمق و 12000 خبزة و 700 مد شعير عدا عن المسك و العنبر: البيان المغرب ص 26- الحلل ص17.
Ency. Uni.t.1 p.782.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق