مرحلة قيادة الجيش المرابطي 448-452هـ/ 1056-1060م
في هذه المرحلة لم يكن يوسف أميرا بل كان مجرد قائد عسكري يعمل تحت امرأة ابن عمه الأمير أبي بكر بن عمر، لم يكن يوسف يملك السلطة بل ينفذ تعليمات غيره من الأمراء، و لكنها كانت مرحلة غنية بالتجارب شحذت ذهنه و أهلته للمرحلة التالية، فكأنها كانت ممارسة للسلطة و الاطلاع على خفاياها دون تحمل المسؤولية، استطاع بعدها تسلم الإمارة و القيام بالأعباء الملقاة عليها بكل همة و نشاط دون تردد وقاد المرابطين إلى النصر في ميادين الكفاح.
تألق نجم يوسف في معركة الواحات 448هـ /1056م التي خاضها، فقد كان قائدا بمقدمة جيش المهاجم، و بعد فتح مدينة سجلماسة[1] عينه الأمير أبو بكر واليا عليها فاظهر مهارة إدارية في تنظيمها. ثم غزا بلاد جزولة و فتح ماسة ثم سار إلى تارودنت قاعدة بلاد السوس و فتحها، و كان بها طائفة من الشيعة البجليين نسبة على مؤسسها علي بن عبد الله البجلي، و قتل المرابطون أولئك الشيعة و تحول من بقي منهم على قيد الحياة إلى السنة.
ثم جاء دور اغمات[2]. كانت مدينة مزدهرة حضاريا إذ كانت إحدى مراكز النصرانية القديمة و مقرا للبربر المتهودين. كان يحكمها الأمير لقوط بن يوسف بن علي المغراوي.
تلقى يوسف التعليمات من الأمير أبي بكر بمهاجمتها. و لما رأى أميرها أن لا جدوى من المقاومة فر منها إلى تادلة و التجأ إلى بني يفرن. و دخل المرابطون المدينة449هـ/ 1057م[3] ثم هاجم يوسف تادلا و فتحها و قتل من بها من بني يفرن و ظفر بلقوط المغراوي و قتله. و قد تزوج الأمير أبي بكر بزوجته زينب بنت إسحاق. ثم سار المرابطون نحو مدينة تامسنا لجهاد برغواطة. و كانت هذه القبيلة تدين بمذهب ينافي تعاليم الإسلام أسسه رجل يهودي يدعى صالح بن طريف البرناطي نسبة إلى حصن برناط من أعمال شذونة بالأندلس[4] كان أمير برغواطة أبا حفص بن عبد الله بن أبي غفير بن محمد بن معاذ بن اليسع بن صالح بن طريف[5]. نشبت المعارك بين الفريقين، أصيب خلالها الإمام ابن ياسين بجراح بالغة توفي على أثرها في 24 جمادى الأولى 451هـ/1059م و دفن في مكان يعرف بكريفلة على مقربة من تامسنا، و ما زال مزاره قائما حتى الآن[6]
اختار المرابطون لرئاستهم بعد استشهادهم إمامهم ابن ياسين الأمير أبا بكر بن عمر اللمتوني[7]، فكان أول عمل قام به بعد دفن الإمام متابعة الجهاد ضد برغواطة حتى عادت إلى الإسلام الصحيح[8].
عاد الأمير أبو بكر إلى أغمات و أقام بها حتى صفر 452هـ/1060م ثم غادرها إلى بلاد فازاز و مكناسة و بعدها إلى مدينة لواتة التي خر بها و كانت لبني يفرن و قتل بها خلقا كثيرا في ربيع الثاني 452هـ/1060م ثم عاد إلى أغمات.
كان استشهاد الإمام عبد الله بن ياسين البداية الأولى في دفع يوسف إلى رئاسة الدولة الناشئة، إذ أن الإمام كان يمسك بالسلطتين الدينية و الزمنية- مع وجود الأمير-. و بعد وفاته أخذت وضعية المرابطين تستلزم حلا لمشكلة ازدواج السلطة، فمع تغلب جانب الإمارة في عهد الإمام ابن ياسين، بدأت الدولة تعرف تحولا إلى الطابع السياسي، ثم أخذت تجتاز ظروفا تتطلب رجالا من طراز يوسف بن تاشفين...
[1]- اختط مدينة سجلماسة يزيد بن الأسود من موالي العرب، و قيل مدرار بن عبد الله و كان من أهل الحديث، القلقشندى: صبح الأعشى ج5 ص163.
[2]- البيان المغرب ج4 ص15 – المغرب الكبير ص697- تقويم البلدان لأبي الفدا تحت اسم أغمات ص135.
اغمات مدينتان سهليتان أغمات إيلان و أغمات وريكة و الأولى لا يسكنها غريب. المغرب ص153.
[3]- الاستقصا ج1 ص 103 – دائرة معارف القرن العشرين مادة لثم ص 321.
[4]- روض القرطاس ص83.
[5] - محمد عبد الله عنان، دولة الإسلام في الأندلس- دول الطوائف ص295.
[6]- روض القرطاس ص85- الحلل ص 12- البيان المغرب ج4 ص16. أعمال الأعلام تحقيق د. عبادي ص230- المغرب الكبير 697 يشير أن الوفاة كانت 450هـ و قد أوصى ابن ياسين المرابطين و هو على فراش الموت بالوصية التالية: يا معشر المرابطين أنا ميت في يومي هذا و أنتم في بلاد أعدائكم فإياكم أن تخنثوا فتفشلوا و تذهب ريحكم. كونوا إلفة على الحق و إخوانا في الله و إياكم و المخالفة و التحاسد على الدنيا و إني ذاهب عنكم فانظروا من ترضونه لأمركم يقود جيوشكم: أعمال الأعلام ص 230.
[7] - يذكر ابن خلدون أن المرابطين اختاروا خلفا لابن ياسين سليمان بن صروا: العبر ج6 ص182 و يسميه د. سالم سليمان بن عروا الذي توفي في العام نفسه 450 و لم يخلفه إمام آخر: المغرب الكبير697.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق