سلسة يومية
صوم أبي مسلم الخولاني
( المستلي بالأوراد والنوب الخولاني عبد الله بن ثوب حكيم الأمة وممثلها ومديم الخدمة ومحررها )
عن عطية بن قيس قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم وقد احتفر جورة في فسطاطه وجعل فيها نطعًا وأفرغ فيه الماء وهو يتصلَّق فيه، فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقوَّيت إن الخيل لا تجري الغايات وهو بدن إنما تجري وهن ضمر؛ ألا وإن أيِّمَنا باقية جائية" وفي الحلية: "بين أيدينا أيام لها نعمل"
صوم عامر بن عبد قيس
القدوة الولي الزاهد راهب هذه الأمة
كان يقول: "لذات الدنيا أربعة: المال والنساء والنوم والطعام فأما المال والنساء فلاحاجة لي فيهما وأما النوم والطعام فلابد لي منهما فوالله لأضرن بهما جهدي" ولقد كان يبيت قائمًا، ويظل صائمًا
وعن علقمة بن مرثد قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية عامر بن عبدالله بن عبد قيس وأويس القرني هرم بن حيان والربيع بن خيثم ومسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد وأبو مسلم الخولاني والحسن بن أبي الحسن"
وكان يقول: "ما أبكي على دنياكم رغبة فيها ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء"
وعن قتادة: "لما احتضر عامر بكى فقيل ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعًا من الموت ولاحرصًا على الدنيا ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل"
صوم الأسد بن يزيد النخعي
( الإمام القدوة القارئ القوام الساري الصوام الفقيه الأثير الفقير الأسير (
"هو نظير مسروق في الجلالة والعلم والثقة والسن يضرب بعبادتهما المثل"
سئل الشعبي عن الأسود فقال: "كان صوَّامًا قوامًا حجاجًا"
وعن علقمة بن مرثد قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم الأسود ابن يزيد كان مجتهدًا في العبادة يصوم حتى يخضر جسده ويصفرَّ وكان علقمة ابن قيس يقول له: ويحك لِمَ تعذب هذا الجسد؟ قال: راحةَ هذا الجسد أريد "إن الأمر جد، إن الأمر جد" فلما احتضر بكى فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لاأجزع ومن أحق بذل مني والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لهمَّنِي الحياء منه مما قد صنعته إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا زال مستحيًا منه"
وروى شعبة عن الحكم أن الأسود كان يصوم الدهر
وروى حماد عن إبراهيم كان الأسوَدُ يصوم حتى يسوَدَّ لسانه من الحر
وعن عبد الله بن بشر أن علقمة والأسود بن يزيد حجا وكان الأسود صاحب عبادة وصام يومًا فكان الناس بالهجير وقد تربد وجهه فأتاه علقمة فضرب على فخذه فقال: ألا تتَّقِ الله يا أبا عمرو في هذا الجسد؟ علام تعذب هذا الجسد؟ فقال الأسود: يا أبا شبل الجد الجد
قال حنس بن حارث: رأيت الأسود وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم لا ضير إن كان الجنة فسيبدل الله بعين أصح منها
ما ضرهم ما أصابهم جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة
صوم مسروق بن عبدالرحمن
) في العلم معروق وبالضمان موثوق ولعباد الله معشوق أبو عائشة مسروق )
عن الشعبي قال: "غشي على مسروق في يوم صائف وكانت عائشة قد تبنته فسمَّى بِنتَه عائشة وكان لا يعصي ابنته شيئًا قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه أفطر واشرب قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرِّفق قال: يا بنية إنما طلبت الرِّفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" وفي رواية: "إنما طلبت الرفق لتعبِي"
قالت له عائشة الصديقة: "يا مسروق إنك من ولدي وإنك لَمِن أحبهم إلي"
وكان لايأخذ على القضاء أجرًا وكان يقول: "لأن أفتي يومًا بعدل وحق أحبُّ إليَّ من أن أغزو سنة"
قال الأصمعي: كان مسروق يتمثل
وَيَكْفِيكَ مِمَّا أُغْلِقَ البَابُ دُونَهُ وَأَرْخَى عَلَيْهِ السِّتْرَ مِلْحٌ وَجَرْدَق
وَمَاءٌ فُرَاتٌ بَارِدٌ ثم تَغْتَدِي تُعَارِضُ أصْحَابَ الثَّرِيدِ الْمُلَبَّق
تَجَشَّأ إذَا مَا هُمْ تَجَشًَّؤوا كَأنَّ مَا غُذِّيتَ بِألْوَانِ الطَّعَامِ الْمُفَتَّق
وَمَاءٌ فُرَاتٌ بَارِدٌ ثم تَغْتَدِي تُعَارِضُ أصْحَابَ الثَّرِيدِ الْمُلَبَّق
تَجَشَّأ إذَا مَا هُمْ تَجَشًَّؤوا كَأنَّ مَا غُذِّيتَ بِألْوَانِ الطَّعَامِ الْمُفَتَّق
صوم العلاء بن زياد
( المبشر المحزون المستتر المخزون تجرد من الثلاد وتشمر للمهاد وقدم العتاد للمعاد العلاء بن زياد )
كان ربانيًّا تقيًّا قانتًا لله بكاء من خشية الله
قال قتادة: كان العلاء بن زياد قد بكى حتى غشي بصره وكان إذا أراد أن يقرأ أو يتكلم جهشه البكاء وكان أبوه قد بكى حتى عمي
قال الحسن لعلاء بن زياد وقد سله الحزن: كيف أنت يا علاء؟ فقال: واحزناه على الحزن
قال الحسن: "قوموا فإلى هذا والله انتهى استقلال الحزن"
وعن هشام بن حسان أن العلاء بن زياد كان قوت نفسه رغيفًا كل يوم وكان يصوم حتى يخضر أو يصلي حتى يسقط فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا: إن الله تعالى لم يأمرك بهذا كله فقال: إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئًا إلا جئته به"
قال له رجل: رأيت كأنك في الجنة فقال له: ويحك، أما وجد الشيطان أحدًا يسخر به غيري وغيرك
وكان يقول: "لينزل أحدكم نفسه أن قد حضره الموت فاستقال ربه تعالى نفسه فأقاله فليعمل باعة الله عز وجل"
قال سلمة بن سعيد رئي العلاء بن زياد أنه من أهل الجنة فمكث ثلاثًا لا ترقأ له دمعة ولا يكتحل بنوم ولا يتذوق طعامًا فأتاه الحسن فقال: أي أخي أتقتل نفسك أن بشرت بالجنة فازداد بكاءً" فمل يفارقه حتى أمسى وكان صائمًا فطعم شيئًا
عن هشام بن زياد العدوي قال: تجهَّز رجل من أهل الشام وهو يريد الحج فأتاه آتٍ في منامه فقال: ائت العراق ثم ائت البصرة ثم ائت بني عدي فائت بها العلاء ابن زياد؛ فإنه رجل أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة قال: فقال: رؤيا ليست بشيء حتى إذا كانت الليلة الثانية رقد فأتاه آت فقال: ألا تأتي العراق فذكر مل ذلك حتى إذا كانت الليلية الثالثة جاءه فقال: ألا تأتي العراق ثم تأتي البصرة ثم تأتي بني عدي فتلقى العلاء بن زياد رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة قال فأصبح وأخذ جهازه إلى العراق فلما خرج من البيوت إذا الذي أتاه في منامه يسير بين يديه ما سار حتى قدم البصرة فأتى بني عدي فدخل دار العلاء ابن زياد فوقف الرجل على باب العلاء فسلم قال هشام: فخرجت إليه فقال لي: أنت العلاء بن زياد؟ قلت: هو في المسجد قال: وكان العلاء يجلس في المسجد ويدعو بدعوات ويحدث قال هشام: فأتيت العلاء فخفف من حديثه وصلى ركعتين ثم جاء فلما رآه العلاء تبسَّم فبَدَت ثنيته فقال: هذا والله صاحبي قال: فقال العلاء: انزل رحِمَك الله قال: فقال الرجل: أدخلني قال فدخل العلاء منزله وقال: يا أسماء تحولي إلى البيت الآخر قال: فتحولت ودخل الرجل وبشره برؤياه ثم خرج فرَكب قال: وقام العلاء فأغلق بابه وبكى ثلاثة أيام وقال: سبعة أيام لا يذوق فيهما طعامًا ولا شرابًا ولا يفتح بابه قال هشام فسمعته يقول في خلال بكائه: أنا أنا قال: فكنا نهابه أن نفتح بابه وخشيت أن يموت فأتيت الحسن فذكرت له ذلك وقلت: لا أراه إلا ميتًا لا يأكل ولا يشرب باكيًا قال: فجاء الحسن حتى ضرب عليه بابَه وقال: افتح يا أخي فلما سمع كلام الحسن قام ففتح بابه وبه من الضر شيءٌ الله به عليم فكلَّمه الحسن ثم قال: رحمك الله ومن أهل الجنة إن شاء الله أفقاتل نفسك أنت قال هشام: حدثنا العلاء لي وللحسن بالرؤيا وقال: لاتحدثوا بها ما كنت حيًّا"
لك الله يا علاء أئن بشرت بالجنة صمت وبكيت حتى أشرفت على الموت لك الله يا إمام ولك من اسمك أوفر نصيب
صوم سعيد بن المسيب سيد التابعين
عالم العلماء كما قال مكحول فقيه الفقهاء
حدث يزيد بن أبي حازم أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم وقال ابن المسيب ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلاَّ وأنا في المسجد
صوم أبي بكر بن عبدالرحمن راهب قريش
( الإمام أحد فقهاء المدينة السَّبْعة وكان من سادات قريش قال ابن سعد كان يقال: له راهب قريش لكثرة صلاته )
روَى الشَّعبِي عن عمر بن عبدالرحمن أن أخاه أبا بكر كان يصوم ولا يفطر
قال الذهبي: "قلت كان أبو بكر بن عبدالرحمن مِمَّن جمع العلم والعمل والشَّرف، وكان ممن خلف أباه في الجلالة"
صوم عروة بن الزبير
( عالم المدينة أحد الفقهاء السبعة، وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكِّنَ من الطاعة، فاكتسب، وامتُحن بالمحنة، فاحتسب عروة بن الزبير بن العوام المجتهد المتعبد الصوام )
قال الزهري: جالست ابن المسيب سبع سنين لا أرى أن عالمًا غيره ثم تحولت إلى عروة، ففجرت به ثبج بحر
وقال أيضًا: رأيت عروة بحرًا لا تُكدِّر الدلاء
عن هشام بن عروة أن أباه كان يصوم الدهر إلا يوم الفطر ويوم النحر ومات وهو صائم ويعفوا يقولون له: أفطر فلم يفطر
وعن هشام بن عروة أن أباه كان يسرد الصوم
وعن هاشم أن أباه وقعت في رجله الأكلة فقال ألا ندعو لك طبيبًا؟ قال: إن شئتم، فقالوا: نسقيك شرابًا يزول فيه عقلك؟ قال: امض لشأنك إن ربي ابتلاني ليرى صبري ما كنت أظن أن خلقًا يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف به فوضع المنشار على ركبته اليسرى فما سمعنا له حسًّا فلما قطعها جعل يقول لئن أخذت لقد أبقيت ولئن ابتليت لقد عافيت وما ترك جزءه بالقرآن تلك الليلة
وعن عبدالواحد مولى عروة قال: شهدت عروة بن الزبير قطع رجله من المعضل، وهو صائم
والله، لكأنها الأعاجيب، ولا تعجب؛ فإن أمه أسماء وأبوه الحواري، وجدته صفية وخالته عائشة وجده الصديق
فَمَا اسْتَخْبَأتُ فِي رَجُلٍ خَبِيئًا ......... كَمِثْلِ الدِّينِ أوْ حَسَبٍ عَتِيقِ
ذَوُوا الأحْسَابِ أكرَمُ مِنْ تُرَاثٍ ......... وَأصْبَرُ عَنْ نَائِبَة الْحُقُوقِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق